من أعلام الجزائر المغمورين، والمصلحين الذين آثروا الابتعاد عن الأضواء:
العلامة الشيخ محمد الطاهر التليلي (1910 ـ 2003م)،الذي قال فيه الشيخ المؤرخ الدكتور أبو القاسم سعد الله:
"جمع الشيخ التليلي أطراف العلم بمعناه الواسع.
فقد عاش في مرحلة الموسوعات والمعارف العامة.
لذلك كان عميق المعرفة بالقرآن وعلومه والحديث الشريف وفروعه والفقه وأصوله وآراء المفسرين.
وكذلك كان واسع المعرفة بالأدب وفنونه، والفرائض والفلك، والتاريخ والتراجم.
وكان حاضر البديهة ولكنه مع ذلك لا يتسرع في الإجابة.
وكان قوي الذاكرة حتى آخر أيام حياته، حافظا للمسائل والمتون والشواهد والآيات القرآنية كأنه يستظهرها لتوّه..." ([1]).
في هذه الصفحات سوف نسلط بعض الضوء عن شخصية الشيخ التليلي وأهم المحطات في حياته العلمية والعملية من خلال العناصر التالية:
1 ـ نسبه ومولده.
2 ـ أسرته.
3 ـ دراسته.
4 ـ أعماله ووظائفه.
5 ـ فضائله.
6 ـ وفاته.
7 ـ آثاره.
1 ـ نسب الشيخ التليلي ومولده:
هو محمد الطاهر بن بلقاسم بن الأخضر بن عمر بن أحمد بن قاسم بن أحمد التليلي([2])، الڤماري([3])، السوفي، الجزائري([4]).
ولد يوم الخميس السادس (6) من شهر ذي الحجة عام ثمان وعشرين وثلاثمائة وألف للهجرة (1328هـ) الموافق للثامن (8) من شهر ديسمبر عام عشرة وتسعمائة وألف للميلاد (1910م) ([5]).
2 ـ أسرته:
تنحدر أسرة التليلي والمعروفة بأولاد سيدي تليل من بلدة فريانة([6]) بالقطر التونسي.
وهي أسرة عريقة مشهورة، ولهم زاوية أنشأها في بداية القرن السابع عشر للميلاد جدّ الأسرة الشيخ الصوفي أبو العباس أحمد التليلي وبها ضريحه.
حيث أراد الشيخ من زاويته أن تكون مدرسة ومنارة للعلم ومأوى للزائرين من القبائل المجاورة والبعيدة ([7]).
ويتصل نسب أولاد سيدي تليل بالخليفة الثالث ذي النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه([8]).
وقد اشتهرت هذه الأسرة الكريمة بالعلم والتعليم، وتخرج منها علماء أجلاء كثيرون انتشروا في البلاد التونسية وفي الشرق الجزائري([9]).
والذي انحدر إلى وادي سوف من تلك الأسرة هو القاضي الشيخ أحمد التليلي في حدود عام 1760م.
وكان سبب قدومه إلى سوف أن علي باشا باي بن محمد بن علي تركي (باي تونس) بعثه رفقة وفد من أعيان بلدة: "خنقة سيدي ناجي" ([10]) للتوسط لإجراء صلح بينه (علي باشا باي) وبين أهالي سوف في قصة طويلة.
هذا، وإن الشيخ أحمد التليلي لما قدم إلى وادي سوف في تلك المهمة سالكا طريق "خنقة سيدي ناجي" طاب له المقام ببلدة "ڤمار" واشتغل بها قاضيا ومعلما. ورزق بولد حوالي عام 1161 هـ ـ 1748م سمّاه قاسم، وكان لهذا الولد شأن كبير بعده حيث سار على خطى والده وتولى خطة القضاء بـ "ڤمار" و"تاغزوت".
وقد رزق القاضي قاسم التليلي بعدد من الأبناء منهم: أحمد، ومن أحمد ولد عمر، ومن عمر ولد الأخضر، ومن الأخضر ولد بلقاسم، ومن بلقاسم ولد صاحب الترجمة: محمد الطاهر التليلي.([11])
3 ـ دراسته:
نشأ الشيخ محمد الطاهر في أسرة متدينة محافظة، تحوطها رعاية مزدوجة من قبل الأب والجد. وكان الفتى محمد الطاهر يحظى باهتمام خاص من جهة جدّه الذي كان من حفاظ كتاب الله تعالى، وله قسط معتبر من العلوم الدينية والعربية؛ فكان يتوسم في حفيده الصغير مخائل النجابة والذكاء والاستقامة، لذلك خصّه بمزيد من العناية فأعطاه من وقته الكثير، وأشرف على تعليمه القرآن الكريم وإجادة حفظه وهو في سن مبكرة.([12])
كما انخرط الفتى محمد الطاهر في حلقات العلم وتلقي الدروس الأولية في الشريعة واللغة والأدب في جامع سيدي إبراهيم في "ڤمار" الشرقية. وكان الفتى في بادئ الأمر حريصا على نقل كل ما يسمعه ويفهمه من الدروس إلى جدّه ويعيده عليه، فما كان من الجدّ إلا أن يشجعه ويثني عليه إلى أن قوي عزمه وتحقق أمله.([13])
رأى الشيخ الأخضر التليلي أن يفتح أفق التعليم في وجه حفيده من أبوابها الواسعة، فقرّر إرساله إلى القطر التونسي لإتمام دراسته بجامع الزيتونة.
وحتى يؤكّد الحرص ويثبت الأمنية أوصى ولده بلقاسم قائلا:
إذا قدّر الله لي الوفاة قبل تحقيق أمنية إرسال محمد الطاهر إلى الزيتونة فلتتول أنت تحقيق ذلك، وتكون نفقة التعليم والمصاريف الكاملة مدة سنوات الدراسة من مالي الخاص.([14])
لم يجد بلقاسم التليلي إلا أن يقوم بوصيّة والده أحسن قيام، فتوجّه الفتى محمد الطاهر إلى جامع الزيتونة بتونس عن طريق بلاد الجريد بتاريخ: 05 ربيع الثاني 1346 هـ/01 أكتوبر 1927م /1346هـ([15]).
وقد رافقه في رحلته:
ـ علي بن سعد بن اخرن([16]) (1327 ـ 1394 هـ /1908 ـ 1974م)؛
كان جامع الزيتونة هو المؤسسة الثقافية الإسلامية الأشهر والأقرب إلى وادي سوف.
وكان الفتى محمد الطاهر التليلي أثناء التحاقه به لم يتجاوز سنه السابعة عشر، وبقي ملازما للتحصيل متفرغا للدراسة مدة سبع سنوات توّجها بشهادة التطويع سنة 1934م.
كما ربط الفتى علاقات مع جيله من الطلبة الذين أصبحوا بدورهم شيوخا في الزيتونة، فكانوا يتراسلون معه في شؤون العلم والأدب والإخوانيات، واستمرت بينهم الزيارات لسنوات عدة.
وهكذا نهل الشيخ التليلي من مختلف العلوم والمعارف الدينية والعربية على أيدي نخبة من علماء عصره المشهود لهم بالرسوخ انطلاقا من بلدة «ڤمار» بوادي سوف وصولا إلى عرصات جامع الزيتونة وأساطينه.
وقد تتلمذ الشيخ التليلي عن أكثر من سبعين شيخا، نذكر منهم:
* الشيخ الطيب بن الحاج علي بن الزّا، الڤماري، السوفي، الجزائري، المؤدب، المقرئ، المتوفى سنة 1389 هـ/1969م.([19])
* الشيخ محمد بن السائح اللقاني، السائحي، الجزائري نزيل تونس، اللغوي، الأديب، المصلح، المولود في 1313 هـ/1897م والمتوفى سنة 1389 هـ/1970م.([20])
* الشيخ عمار بن الحاج عبد الله الأزعر، الڤماري، السوفي، الجزائري نزيل المدينة المنورة، العلامة، الفقيه، المصلح، المتوفى سنة 1388 هـ/1968م.([21])
* الشيخ أحمد بن محمد القا، الڤماري، السوفي، الجزائري، المقرئ، الحافظ، المولود في 1305 هـ/1884م، والمتوفى سنة 1360 هـ/1941م.([22])
* الشيخ محمد العزوزي بن الصادق بن الحاج حوحو العقبي، البسكري، الجزائري، الفقيه، الأديب، الكاتب، المتوفى سنة 1363 هـ/1944م.([23])
* الشيخ محمد الطاهر بن محمد بن محمد بن عاشور، الزيتوني، التونسي، المفسر، اللغوي، الفقيه العلامة، شيخ الإسلام المالكي، المولود في 1310 هـ 1892م والمتوفى سنة 1393هـ 1973م.([24])
* الشيخ حسن بن يوسف، الزيتوني، التونسي، الإمام، الواعظ، المتوفى سنة 1364 هـ 1945م.([25])
* الشيخ محمود بن قاسم ساكيس الجربي، الزيتوني، التونسي، الفقيه، المتوفى سنة 1409 هـ 1988م.([26])
* الشيخ العربي الماجري، الزيتوني، التونسي، اللغوي، النحوي، المتوفى سنة 1409 هـ 1988م.([27])
* الشيخ محمد الصالح بن مراد، الزيتوني، التونسي، شيخ الإسلام الحنفي، المولود في 1306 هـ 1881م والمتوفى سنة 1399هـ 1979م.([28])
* الشيخ محمد الشاذلي بن أحمد الجزيري، الزيتوني، التونسي، المفتي الحنفي، المتوفى سنة 1367 هـ 1948م.([29])
* الشيخ معاوية بن الطاهر بن صالح الماجري التميمي، الزيتوني، التونسي، الأديب، الشاعر، المولود حوالي 1308هـ 1889م والمتوفى سنة 1363 هـ 1944م.([30])
* الشيخ محمد البشير بن أحمد بن محمد النيفر، الزيتوني، التونسي، القاضي، والمفتي المالكي، المولود في 1306 هـ 1887م والمتوفى سنة 1394 هـ 1974م.([31])
* الشيخ محمد عمر الزغواني، الزيتوني، التونسي، المفسر، المحدّث، المولود حوالي 1312هـ 1896م والمتوفى سنة 1399 هـ 1979م.([32])
* الشيخ محمد الصادق بن محمد الشطي الشريف المساكني، الزيتوني، التونسي، الفقيه، الفرضي، المولود في 1307 هـ 1890م والمتوفى سنة 1364 هـ 1945م.([33])
* الشيخ محمد بن يوسف بن إبراهيم الحنفي، الزيتوني، التونسي، المولود حوالي 1274هـ 1855م والمتوفى سنة 1358هـ 1939م.([34])
4 ـ أعماله ووظائفه:
عاد الشيخ التليلي إلى أرض سوف بعد إتمام دراسته، وكان يحدّث نفسه وهو في طريق العودة: "سأرجع إلى بلدي فأخدمها وأنشر فيها كل ما تعلّمته من ثقافة ودين وشعر وأدب كما خدمها غيري، وعمل لها سواي من الشيوخ القدماء والمحدثين، وليس تعليمي إلا وسيلة للنهوض بالبلد، وإنبات النبات الحسن من الشباب الصالح المصلح، وما أنا إلا ابن من أبنائها يجب عليّ ما وجب عليهم".([35])
ولم يلبث الشيخ التليلي بعد استقراره بـ "ڤمار" أن زوّجه أبوه من أخت رفيقه وزميله في الدراسة محمد الحفناوي بن الأخضر بن مبارك هالي (1911 ـ 1965م) ([36]) وكان الزواج بتاريخ 22 ذو القعدة 1353هـ الموافق لـ: 16 فيفري 1935م.([37])
وما هي إلا أيام قلائل عقب الزواج حتى أرسلت للشيخ الطاهر رسالة شفوية من جهة والده بواسطة أحد أقارب الأسرة مفادها:
أي بني، لقد قمتُ بالواجب بل وأكثر من الواجب نحوك، ووفّيتك أكثر من حقك عليّ، فربيتك وكبّرتك وعلّمتك وزوجتك، وعن الغير أغنيتك، وحفظت عليك كرامتك فلم أتركك لاحتياج أو إهانة أو مذلّة أو إراقة ماء وجهك للغير طيلة حياتك حتى هذه الغاية، وقد آن الأوان لتتحمل مسؤوليتك بنفسك معتمدا على نفسك، قائما بواجباتك، وتخفف عنّي ما أثقل كاهلي منذ سنين، فمنذ الآن اعتمد على نفسك وتوكل على الله، وابحث عن عمل يعيلك وأهلك، أو حرفة تعيشك، ولا تكن كَلاًّ عليّ ولا على أحد من الناس، فابحث لك عما يعيّش أو يريّش، ولاتكن ريشة بين الريش.([38])
وهكذا أصبح الشيخ التليلي يعول أسرة مستقلا عن والده في ظروف جدّ صعبة. وقد ضاقت به الحال فاشتغل تارة فلاحاً وتارة تاجراً ولكن: كلٌّ ميسّر لما خُلق له فلم يربح في الفلاحة كما لم يفلح في التجارة.([39])
ولما خرج التليلي من الفلاحة والتجارة خالي الوفاض لم يجد إلا أن يتصل بالشيخ محمد خير الدين([40]) المراقب العام لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين إذ ذاك ببسكرة، وقد كان هذا الأخير قد سبق وأن عرض عليه أن ينضم إلى التدريس بإحدى مدارس الجمعية.([41])
والتحق الشيخ في سنة 1354هـ ـ 1935م بمدارس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وبدأ في مسيرة تعليمية تواصلت معه مدة أربعين سنة. وكان تعيينة في قرية تسمى: "كمبيطة" إحدى قرى مدينة بجاية([42])، بعد أن التقى بقسنطينة بالشيخ عبد الحميد بن باديس([43])، وبالشيخ الفضيل الورثيلاني([44]) وقد سبق له اللقاء في طريق رحلته بالشيخ محمد خير الدين ببسكرة. ([45])
وما هي إلا أشهر معدودة على مباشرة الشيخ لعمله التدريسي إلى جانب الإمامة والخطابة بالمسجد الجامع، حتى أظهرت السلطات الاستعمارية انزعاجها من نشاطات الشيخ، وأحسّت بخطورة الدروس التي يقدمها للتلاميذ، وما تتضمنه من بعث للوعي الديني والوطني فيهم.
ولعل خير شاهد على ذلك تلك القصائد التي نظمها الشيخ بنفسه، وجعلها نشيدا يردده التلاميذ يومياً ([46]):
صغير الشعـــب هيــا للمعــــالي***وهيِّ المجد تحت ضيا الهلال
وأدرك مــــن علوا نجـــم الكمـال***فذاك النجـــم قـد ناداك هيـا
بلادك تبتغـي منـــك الديـــــــونا***فحاذر أن تكــــــون لها خؤونـا
فما ترضـــــــى لغيرك أن تكــــونا***ومــا ترضـــاك لـــو تلويهاليّـا
فها هــي الجزائــــريا فتــــاهــا***لهــا تاج علــى الأفلاك تاهـا
ولكن أمس فــي الأجـــواءتاهـا***فهلـــاّ اليوم تأتــــي به عليّـا
فغيرُك مـــن صغــــار القوم هبُّـوا***وللأوطان قـــد هرعــــوا ولبُّـوا
وقد شقوا الصعاب فليس شعب***تـــــراه اليـــــــوم إلا أصمـعيّـا
صغيـــر الشعب أنت غــــدا كبيـر***وشـــعبك بالعـلا أبــــدا جديـر
وليس له لــدى البـــــلوى مجيــر***مـن الأسراء غيرك أحوذيا([47])
ومنها أيضا نشيد مطلعه:
يا ابن الجزائر لا تخـــــــــف***وانهض كما نهض السلف ([48])
ولم يجد الحاكم الفرنسي في تلك المنطقة (واد المرسى) إلا التضييق على الشيخ ومحاصرته؛ فأدخله السجن ثم طرده من القرية ـ رغم تمسك شيخ القرية ورئيس مجلسها البلدي والمواطنين به وتعيينهم محاميا عنه ـ والأغرب من هذا أنّ الحجة التي تمسّك بها الحاكم الفرنسي هي اعتبار الشيخ التليلي أجنبيا ولا يملك جواز سفر للمنطقة، وليس له رخصة لمزاولة التعليم. ([49])
يقول الشيخ التليلي حاكيا موقفه مع الحاكم الفرنسي:
"... وقعت أول مقابلة بيني وبين الحاكم المذكور فلم يزد على أن قال:
من أنت؟
ومن أين أقبلت؟
وهل عندك جواز سفر إلى هذه المنطقة؟
وكم لك هنا معلّما ؟.
فأجبت عن الأسئلة الأربعة بما يجب أن أجيب به أمثاله؛ فكان آخر كلامه أن أمر أحد أذنابه بأن يسوقني إلى السجن مع أصحاب الجرائم.
فكان الأمر كما أمر، وزجّ بي في السجن جانيا مجرما، وجنايتي عنده وعند أمثاله:
ديني الصحيح وإرشاد الناس إليه، ووعظي إياهم بما أنشره فيهم من تنوير عقول وتثقيف أفكار... ". ([50])
وبعد الإفراج عن الشيخ لوجود جواز سفر له عاد إلى مسقط رأسه "ڤمار" نظرا لاستمرار منعه من التدريس والإمامة، وقد وعد سكان "كمبيطه" بالرجوع إليهم إن تمّ حل المشكلة. ولم يمض شهر حتى أرسلوا له بأنهم استصدروا إذنا رسميا من حاكم الناحية بأن يرجع إليهم معلّما وواعظا رسميا.
فطلب منهم الشيخ مهلة شهر ليتدبر أمره، وما هي إلا أيام معدودة حتى عاد الشيخ للقرية وتلقاه أهلها بالفرح والترحاب وواصل مسيرة الدعوة والتعليم والإصلاح.([51])
وبعد أشهر معدودة أقبل الشتاء القارس والثلوج، فلازمت الأمراض الشيخ وضعف جسمه، وأعجزته الحمى عن العمل، وأحسّ بثقل مقامه في القرية مريضا مقعدا؛ فاعتذر للجماعة وغادر القرية مع الأسف العميق على مفارقة أهلها الطيبين.([52]) فيقول الشيخ التليلي واصفا وضعه في القرية:
"لا يستطيع مثلي من أبناء الصحراء أن يقيم في تلك القرية الجبلية الموحشة اللهم إلا في فصل الصيف...".([53])
كما يسجل موقف رجال تلك القرية المشرف: "... الحق يقال: لم أجد في أهلي ولا في غير أهلي ما وجدته فيهم من احتفاء واحتفال بي، وإكرام واحترام لي، فإن سألت كانوا الجواب، وإن دعوت كانوا الغوث، وإن قلت وعوا، وإن أمرت أطاعوا واستمعوا، فلولا ضرورة الشتاء وما يجلب معه من وصب ونصب لأقمت فيهم إقامة جبالهم، ولكنت من جملة رجالهم... ". ([54])
عاد الشيخ إلى "ڤمار" مكسور الخاطر، وبقي فترة قصيرة حلس الفقر والبطالة، ثم اشتغل بفلاحة الأرض ونقل التراب فوق الدواب (الرَّمْلَة) والحراثة والسّقي، وكل ما يتعلق بفلاحة النخيل، وقد تخلل ذلك تقديم بعض الدروس غير المنتظمة لعدد من الطلبة والعوام.([55])
ثم عقد إجارة مع صهره الأخضر بن مبارك هالي ليعمل معه في التجارة ببسكرة، فسافر آخر صيف 1936م إلى بسكرة إلى غاية 1937م.
وفي آخر العام وقعت جملة أحداث بوادي سوف كان أبرزها مغادرة الشيخ عبد القادر الياجوري "ڤمار" حيث كان معلّما وإماما بها متوجها إلى زاوية الشيخ عبد العزيز بن الهاشمي الشريف ببلدة البياضة جنوب مدينة وادي سوف ليقوم بوظيفة التعليم في المعهد الجديد بإشراف جمعية العلماء رفقة نخبة من خريجي جامع الزيتونة.([56])
ثم إنّ الشيخ عمار الأزعر وهو من أنصار الإصلاح ومن مؤسسي جمعية العلماء قد تعرّض لمضايقات شديدة من الإدارة الفرنسية من جهة ومن بعض المتعصبين للطرق من جهة أخرى، فلم يسعه إلا مغادرة "ڤمار" سنة 1356 هـ 1937م مهاجرا إلى الحجاز حيث استقر به المقام مدرّسا بالمسجد النبوي الشريف إلى غاية وفاته.([57])
ولقد ترك غياب الشيخ الأزعر فراغا كبيرا في ميادين نشر التعليم ومبادئ الإصلاح في المنطقة؛ فلم يجد أهل "ڤمار" إلا أن يرسلوا في طلب الشيخ التليلي ليكون إماما مدرسا لهم خلفا للياجوري في المسجد وفي المدرسة.
وبعد تفاوض وأخذ وردّ لم يجد الشيخ إلا أن يلبي نداء الواجب رغم معارضة صهره.([58])
وكان بموقفه هذا مصدّقا لما قاله في مقطوعة شعرية له عنونها بـ:"أنا لا أنسى الواجب" والتي يقول فيها:
لـست والله بنــــــاسٍ***واجبـــي نحـو أناسـي
وإذا ملت براســـــــــي*** هـكـــــذا فالقلـب راس
ليست الكاس بكاسي***عندما تحظــى بكـاس
بل أنا جـــــافٍ وعـاسٍ***لامرئٍ حِلْسِ نُعَـــاس
بؤسُ أقــوامي لباسـي***وكذا البأس كباســـي
مَجْدُهُـــمْ غيرُ مُـداسٍ***بنعــــــالٍ أو مَــــــدَاس
ذَهَبٌ غيرُ نُحَــــــــــاسِ***طَبْعُهُمْ فَلْيَحْـسُ حاس
فَهُمُ أَصْلِي وسَاســـي***وبِهِمْ نِلْتُ حَسَاسي([59])
عاد الشيخ إلى «ڤمار» في شهر مارس من عام 1938م وشرع في الخطابة والإمامة بالمسجد الكبير مع التعليم بالمدرسة التي أسسها الأهالي للتعليم العربي الحر، وتعمّدوا عدم إلحاقها بمدارس جمعية العلماء تفاديا لتعريضها للإغلاق.([60])
وقد وضع الشيخ التليلي برنامجا أسبوعيا علميا لدروسه وخطبه بحيث خصص درسين لكل من التفسير والحديث والفقه، واختار منظومة الشيخ خليفة بن حسن الڤماري "جواهر الإكليل نظم مختصر الشيخ خليل" هي مقررا للفقه. أما خطبة الجمعة فإنها لا تخرج عن التصفية والتربية. ([61])
ولم يكد يمضي شهر حتى أتت السلطة الاستعمارية بجيش كبير احتل جميع شوارع الوادي إثر حوادث 09 أفريل 1938م بتونس، والتي اتهم فيها الشيخ عبد العزيز الشريف([62])
ورفاقه: عبد القادر الياجوري، وعلي بن سعد، ومحمد الكامل النجعي([63]) بعد القبض عليهم بتهمة المسّ بأمن الدولة والتحريض على العصيان والاتصال بالخارج.([64])
وما هي إلا عشرة أيام حتى سكن كل شيء إلّا من التوجّع، وسكت كل صوت للإصلاح إلّا من البكاء والتضجّر، واشتدّ الخناق والتضييق على الشيخ التليلي الصديق المقرّب للجماعة المذكورة، فازداد الضنك وضيق العيش؛ فلم يجد الشيخ من طريق سوى الاتجاه للعمل التجاري من جديد بعد أن أخذ مبلغا ماليا على سبيل القراض من أحد أصدقائه، وافتتح دكانا في السوق، فما كان من القائد العسكري إلا أمر بغلق الدكان مع الوعيد والتهديد بدعوى أنه يجتمع فيه الناس ويتعاطون السياسة. ([65])
ويصوّر الشيخ التليلي هذا الموقف فيقول:
"وهكذا مرّت أيام وأنا مع القائد في أشدّ احتدام واصطدام، والتراشق بسهام الكلام في حمأة الخصام والملام، فقلت له:
ما هو ذنبي؟
فقال:
فتحت محلا تجاريا تتمعّش منه؛
فقلت:
فما هي جنايتي؟
فقال:
دخول الناس إلى دكانك وتعاملهم معك،
فقلت:
فما هي جريمتي؟
فقال:
أن تجتمع بالناس وتتحدث معهم،
فقلت:
فكيف أصنع إذن؟
فقال:
أغلق المحل،
واذهب إلى دارك واعتزل الناس، فأنت عند الحكومة تعتبر من المساجين في بيوتهم، ولا فرق بينك وبين زملائك: الياجوري، واخرن، وابن الهاشمي، الذين هم الآن في سجن الكدية بقسنطينة.
قال:
وإذا لم تمتثل للأوامر ألحقناك بإخوانك هناك.
قال:
واعلم أن الحكومة تعتبر كل طالب زيتوني عدوا لها، وحامل سلاح ضدّها، وتعتبر كل من جالسه أو خاطبه أو عامله أو رافقه عدوا أيضا، لا ثقة فيه، ولا هدنة معه". ([66])
ولم يجد الشيخ بعد المحاصرة والتضييق إلا غلق الدكان بعدما قضى فيه سنة كاملة. ([67]) "وأعلمني القائد باسم حاكم المنطقة زيادة على ما سبق منه من تهديد ووعيد بأني المسؤول الوحيد عن كل ما يقع من تشويش وتحريش في هذه القرية، وأن عيون الحكومة لك بالمرصاد، لا تنام عنك ليل نهار... ".([68])
اضطر الشيخ للعزلة في البيت حينا والعودة إلى الفلاحة وحمل التراب حينا آخر، فاتخذ من "هود اميه صالح"([69]) خلوة له، ولم يعد يزور البلدة إلا لماما.([70])
وبقي على وضع الحصار المذكور قرابة عام ثم رجع في 1940م للعمل مع صهره في التجارة ببسكرة. وفي عام 1943م اشترك مع الحفناوي هالي ولعيس محمد بن العزوزي في خرص التمر وبيعه ودامت الشركة عاما كللت بالنجاح والربح الوفير. ([71])
وفي الخامس من شهر أفريل عام 1945م كتب الشيخ التليلي القانون الأساسي لمدرسة النجاح بـ "ڤمار" وكان ذلك بإيعاز من جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.
وفي الثاني عشر من الشهر نفسه أرسل للشيخ محمد البشير الإبراهيمي معتذرا عن عدم الخروج من "ڤمار" كمعلم في غيرها بحجة عزم أهل "ڤمار" فتح مدرستهم من جديد.
كما شارك في21 جويلية 1946م في مؤتمر جمعية العلماء المسلمين بالجزائر العاصمة وفيه انتخب الشيخ عبد القادر الياجوري كاتبا عاما لإدارة الجمعية. ([72])
مكث الشيخ مدة وجيزة عام 1948م معلما في بلدة مشونش ببسكرة، وفي 19 أكتوبر 1948م فتحت مدرسة النجاح بـ «ڤمار» أبوابها لأول مرة بعد الحرب العالمية الثانية، وكان التليلي المباشر لفتحها وإدارتها والتعليم بها إلى غاية عام 1963م.([73])
وبقيت مدرسة النجاح تمارس التعليم العربي الحر بإدارة الشيخ التليلي دون أن تكون لها مرجعية تربوية سوى إخلاصه ومهارته وبرنامج جمعية العلماء دون التبعية لها إلا عام 1952م. وقد اقتنع ألدّ خصوم الإصلاح بأهمية رسالة تلك المدرسة، فمهما اختلفوا فيما بينهم حول الأمور السياسية وجدوى الإصلاح، وأساليب التعامل مع السلطة الاستعمارية، فإن التسليم والاتفاق التام حاصل حول ضرورة تعليم الأبناء وتنويرهم، وحماية المدرسة وتمكين الشيخ من أداء رسالته ([74]).
وهكذا وفّق الله تعالى الشيخ التليلي لأن يخرّج عددا كبيرا من الطلبة المنتمين إلى مختلف الشرائح الاجتماعية بمن فيهم السلطة المحلية والطرق الصوفية.
"وقد أصبح هؤلاء الطلاب عمدة الجزائر في العلم والإدارة والسياسة والاقتصاد والأدب بعد الاستقلال. وهم مدينون لشيخهم التليلي بالأبوة الروحية والتكوين العلمي، وكانت طريقته في التربية والتعليم وإخلاصه قد جعل منه نموذجا يحتذون به في حياتهم"([75]).
ويسجّل زائر تونسي لجنوب الجزائر عام 1372 هـ 1952م ما شاهده فيقول:
"... ثم زُرنا المدرسة القرآنية التي يديرها المثقف الشيخ الطاهر التليلي المحرز على العالمية من الكلية الزيتونية العامرة، وهو روح المدرسة وعمودها الفقري، جمع إلى إدارتها التدريس بها، وتخريج المثقفين والمثقفات. وطالما راودته المدرسة الحكومية على إعطاء ساعة بالعربية ففضل مدرسته على مدرستهم..."([76]).
تولى الشيخ عام 1964م التدريس بمدرسة سلام باي (المدنية) التابعة لمعهد حسين داي بوزارة الأوقاف بالجزائر العاصمة، وفي آخر تلك السنة في شهر أكتوبر أقام بعائلته بوسط مدينة وادي سوف في حي أولاد احَمَد كراءً في (دار حَبُّوشة) إلى غاية شهر ماي 1965م حيث أشرف على التدريس والإدارة بالمعهد الإسلامي بالزاوية القادرية.([77])
والظاهر أنه بعد الاستقلال واسترجاع الحرية لم يقدّر الشيخ التليلي حقّ قدره ولم يعترف له بالجميل، وناله نصيب من الإهمال وعدم المبالاة، فكانت بالنسبة إليه صدمة كبيرة في تلك الفترة ومحنة قاسية([78])، "ولقد بلغ منه الفقر أن باع بضع نخلات كان قد ورثها عن أبيه، وعندما لم يجده ذلك فتيلا لجأ إلى بيع أعز كتبه بالتقسيط حسب الحاجة، كما باع المجلات النادرة مثل مجلة الشهاب العزيزة عليه"([79]).
ولعلنا نلتمس بعضا من استياء الشيخ من نكران الجميل ـ رغم تحفظه الشديد من خلال كتاباته وما عرف من سيرته من عدم التطرق لأولئك الذين ناصبوه العداء ـ فيقول في معرض الدعاء بأنه يرجو من الله تعالى:
"أن يبعث في قلوب أبناء هذه القرية وازع الاعتراف بالجميل نحو علمائهم الذين ذاقوا الأمرين في سبيل إنارة هذه البلاد بالتعليم والإرشاد، فيحفظوا ذكراهم الجميلة، ويحتفلوا بآثارهم الجليلة"([80]).
واختار الشيخ عام 1385هـ 1965م الاندماج في سلك مدارس وزارة التربية الوطنية مثل بقية زملائه مدرسي مدارس جمعية العلماء([81]).
وابتداءً من الرابع من شهر نوفمبر عام 1965م أقام بمدينة عنابة أستاذاً بثانوية "سان أوغستان"، ثم عُيّن في ثانوية "مبارك الميلي". ([82])
وفي يوم 26 جويلية 1966م عقد اجتماع عام للمجلس الإسلامي الأعلى الجزائري بوزارة الأوقاف بحيدرة. وكان مما نتج عنه تأليف لجان متعددة، واحدة للفتوى، وأخرى للتوجيه، وثالثة للثقافة، ورابعة للتنسيق، وخامسة للعلاقات الخارجية.
وكان الشيخ التليلي ممن أدرج اسمه عضوا في لجنة التوجيه من دون علم منه؛ فرفض المشاركة في العضوية والتوجيه، جريا على عادته في الهروب من الرسميات، ومن الظهور في المجتمعات أو بين الشخصيات. ([83])
وفي شهر أكتوبر من عام 1967م تحوّل الشيخ إلى مدينة تقرت للتدريس بثانويتها المختلطة، واستمر فيها إلى غاية خروجه للتقاعد من الوظيفة الحكومية بتاريخ: 01 أكتوبر عام 1972م. واتخذ لنفسه خلوة في بيته متفرغا للعبادة وقراءة القرآن الكريم ومدارسته والمطالعة والتأليف في مختلف المعارف،([84]) حتى صار لا يخرج إلى الناس إلا لأداء الواجبات الاجتماعية التي لا مناص منها، بل إنه لما تقدّم به العمر وكثرت الاختلافات والفتن بين الناس أصبح يتحاشى لقاء كثير من الزائرين مؤثراً العزلة والتفرّغ للذكر والعلم والعبادة. وكأني به يتمثّل قول بعض الأوائل:
رأيت الانقباض أجـــلّ شيء***وداعي في الأمـــــور إلى السلامة
فهذا الخلق سالمهم ودعهم***فخلــطتهم تقــــــــــود إلى الندامة
ولا تعنى بشـيء غير شيء***يقــــــود إلى خلاصك في القيامة([85])
لم تكن الحالة المادية للشيخ وعياله مريحة، إذ ظلّ راتب التقاعد هو هو، ولكن الشيخ لا يعرف الشكوى من مثل هذه الحالة، لأنه ولد فقيراً ومات فقيراً إلّا من العلم والأدب، ومع ذلك يحسبه الجاهل غنياً من التعفّف لعلوّ همّته وعزّة نفسه. ([86]) وكان أكبر همّه خدمة كتاب الله تعالى، والدعوة إلى إحياء علوم الشريعة وخاصة الفقه، وكيف نستفيد منه في إغناء الأمة وتطويرها، حيث يقول في قصيدة له:
درسنا بالمدارس كــل علم***ونلنا مـــن مشــايخنا الشهــاده
وقلنا في المحافل كل قـول***يحرّك في النفوس هوى المجاده
وقال الناس عنّا كــــل خيــر***وأثنـــــــوا بالمغيب وبالشهـــــاده
ولكن ما استفـاد الناس إلا***هـراء لا يمت إلــــــى السعــاده
ولم ندرس من الأعمال يوما***سـوى عمــل التأخـــر والزهـاده
وبعضــــــا من صلاة أو صيام***خلـت مـــــن مخّ مطلوب العبـاده
ولــــــو أنا دخلنا في حيــاة***لخضنا اليــــــوم معركة السيـاده
ونلنا مـــــا يريـد المجد منــا***وكنا نحـــــــــن أصحاب القيـاده ([87])
5 ـ فضائله:
كان الشيخ التليلي رحمه الله في مختلف الأوساط العلمية والثقافية نسيج وحده. عاش في وادي سوف سنين عددا وله فيها المحبون الكثيرون، والتلامذة العارفون لفضله والمعتزون بالتلمذة عليه، والأصدقاء الأوفياء الذين يثنون عليه بالخير كله، عرفانا وامتنانا لما له من العلم والفضل والتضحية.
كان رحمه الله من العلماء الربانيين الذين تركوا الدنيا ومتاعها وآثروا ما عند الله تعالى.
عرفه القاصي والداني بالعلم الرفيع والتواضع الجم الذي يذكرك بأصحاب السير العطرة من كبار العلماء الذين تركوا ذكرا لا ينسى بما بذلوا من خير إلى دينهم وأمتهم.
هذا، وإن المرء ما إن يطالع طرفا من آثار الشيخ التليلي المكتوبة إلا ازداد له إكبارا، وبه إعجابا، ولفضله وعلمه تنويها وإشادة.
ولعل اهتمام الشيخ التليلي كان في المقام الأول بالقرآن ولغة القرآن، وكفى بالقرآن شرفا، وبعلومه فضلا ورفعة. فلقد أنجز رحمة الله عليه عدّة منظومات في المعارف القرآنية، وكانت له جولات عطرة في مدارسة كتاب الله تعالى، وكان باستمرار يغتنم كل سانحة لدعوة الناس عامة والناشئة خاصة إلى التعلق بالقرآن الكريم وحفظه والتزام أحكامه.
يقول الشيخ التليلي:
كتاب الله أفضـــل مــا قرأنا***وأجدر بالتلاوة مـــــن ســــــواه
فقم واحفظ كتاب الله تحظ***وتُحسب في الألى قطفوا جناه
ففيـه الديـن والدنيا جميعـا***فطوبـى للذيــن به تباهـــــــــوا
وزينة مــــدرسـيّ لوذعــيّ***كتاب الله يَحْفَــظُ فـــــــي صباه
وحليةُ عـالمٍ فطـــــنٍ لبيبٍ***تصدّر في المجــــــالس أن يراه
دليـلٌ فيصلٌ وحســـامُ حقٍّ***لمن يبغي الهجـــومَ على عِداه
تمسّك ما استطعت به ولازم***تـــلاوتَـــه ولا تفصـــــــــــم عره
ولا تختر حديث النـــاس عنه***فتُحمى في القيامة عن حِماه([88])
ويقول في الدعوة لحفظ القرآن:
احفظـــوا القــــرآن أبناء العرب***فهــو تاريــخٌ وديــــــــــــــنٌ وأدبْ
وبه العـزّة مـــــن بين الــــورى***لجميــــــــع العُرْبِ مــن ابن وأبْ
وهـــو أمجــــادٌ لمن شاء العُلا***وهـــــو طاعــات لمــن رام القُرَبْ
فاحفظوا القرآن تحظوا بالمُنى***وتنالــــــــــوا كــــلّ غايات الطلبْ
احفظــوا القرآن فــي أعمالكم***احفظــــوا القرآن في كل النِّسَبْ
احفظــــوا القرآن في أخلاقكم***فــهو عنوانٌ على حسن الأدبْ([89])
ويقول أيضا:
ومــن يحفــــظ القرآن كان دليــــله***وحجّته يـــوم التكلّم بالحُجـــــــَجْ
وكان له سيفا حســاما لمــــــن له***تصدّى بإلقاء الشكوك من الهَمَجْ
وكان له عند التفكّر عبــــــــــــــــرةً***وموعظة تهديــــــــه للطيّب الأرجْ
وكـــــــــان له وقت المشيب عبادة***وذكرا به تحيا المواتُ من المهجْ
ففــــــــــي آيه كلُّ التسابيح صيغة***فرطّب به ذكــــراً لسانك وابتهجْ
وفي يوم حشر الناس كان شفيعنا***ومنقذنا إن شاء ربك من وهج([90])
يقول د. إبراهيم مياسي([91]):
لقد كان الشيخ التليلي مثالا للأخلاق العالية، والصدق في العمل، "وهو من أعلام الجزائر الذين دفنوا ـ للأسف ـ وهم أحياء، حيث عاشوا وماتوا في الظل".([92])
ويقول أيضا: "تعرفت على الشيخ محمد الطاهر التليلي في أواخر الستينيات وبداية السبعينيات من القرن الماضي... وكنت أراه دائما بشوشا، مشرق الوجه، يجلب الانتباه ويلفت النظر بهندامه الجميل، وخاصة جبته الزيتونية، مع سحنته الضاوية، وحديثه الهادئ".([93])
وفي بيان مدى إخلاص الشيخ التليلي في العلم والعمل يقول رفيق دربه الأستاذ محمد التجاني زغودة ([94]):
"العلم عند الشيخ أمانة ورسالة ومسؤولية، وليس احترافا واكتساب مال، وعيش وطئ هنئ ووجاهة وسمعة كما هو الشأن عند بعض العلماء المحترفين، الذين يتخذون من علمهم مطية ووسيلة لتحقيق أغراض دنيوية، ومآرب شخصية".([95])
ويقول عنه أيضا:
"عاش للعلم والتعليم والإفتاء والنصح والإرشاد والتوجيه والإصلاح وتكوين جيل صالح يخدم أمته، ويذود عن كرامة وطنه. وهب حياته لكل ذلك في تواضع ونكران للذات، وعفة وتقى لا لدنيا يصيبها، أو رتبة يحصل عليها، أو مال يجمعه، أو سمعة ووجاهة يباهي بها، أو ينال بها حظا من حظوظ هذه الدنيا ... عاش ـ رحمه الله ـ ورعا تقيا، زاهدا حييا، وقورا ربانيا، قرآنيا، ناشرا للعلم باذلا للنصح، داعيا للخير ...".([96])
ويسجل الشيخ التليلي اعتزازه بالوطن وبانتمائه القومي ـ وإن جهل عليه الجاهلون ـ وكيف أنه اختار رسالة التعليم، وحبذ حياة الزهد والتقشف، وهكذا كان الشيخ نموذج المعلّم الرسالي، فيقول:
وطنــي العـــزيز ولا عــــزيز غيـره***وأنا الذليل لعـــــزّه أفديــــــــــه
قـــومي وإن جهلوا عليّ حقـارة***وزهـــــادة من جـاهــل وسفيـه
مــا مثلهـــم كرما وطيب عناصـر***وجميلَ أخــــلاق لدى التشبيه
قـــــومٌ وإن لبسوا الحضـارة حُلّة***وتشرّفـــــــــوا بالمـدح والتنويـه
أفنيــت عمـــري خادما ومعــلما***لبنيهمُ مـــــــــن غير مـا ترفيـه
ولربمــا لــــو شئت كنــت منعّما***ومبجّلا من عــــــــــالم ووجيـه
لكننــــي اخترت الخصاصـة بينهم***حتــــــــى أفـوز بنعمة التوجيـه
لا خير في الشبان إن هم غادروا***أوطانهــــــم للشتـم والتشويـه
وتــــرحّلـــــوا عنها لنيــل رغائب***مشبـوبة بالطيش والتمـويه([97])
أما المؤرخ أ.د. أبو القاسم سعد الله فيذهب إلى أن الشيخ التليلي لو عاش في عصر بعيد عنا، عصر ازدهار الحضارة العباسية أو الأندلسية لكان ربما من كبار الموسوعيين الذين لا يشق لهم غبار.
فقد جمع بين الذكاء الخارق والذاكرة الحية، والحافظة التي لا تعرف الكلل ولا النسيان إلى آخر لحظة من حياته، كما أن طموحه العلمي لا يعرف الحدود.([98])
6 ـ وفاته:
بعد حياة حافلة بالجهاد العلمي، ومعاناة مع المرض وضعف الصحة وتقدم السن، التحق الشيخ بالرفيق الأعلى يوم الثلاثاء 16 رمضان 1424هـ الموافق لـ 11 نوفمبر 2003م في الساعة 19.30 ودفن مساء اليوم الموالي في جنازة مهيبة حضرها المئات من تلاميذ الشيخ ومحبيه إلى جانب عدد كبير من رجال الفكر والثقافة والسلطات المحلية.([99])
وقد خلف الشيخ من الأولاد ابنين وخمس بنات([100]).
وممن كتب في رثائه الشاعر السفير أحمد الطيب معاش([101]) بقصيدة طويلة عنوانها: «وداع ورثاء النضو» .
ومما قال فيها:
لقد قصرت في حق التليلـي***فلـــم أنصـفه حتـــــى بالقليـــل
وقد ألغيت عَقدا بين شعـري***وبيني منذ ســافر جــل جيلــي
وكنت نذرت إهدائي رفاقـــي***وأشياخــي مديحي أو عويلــي
وغادرنا المحاضر والمربـــــي***وجـــــامع كل أوصاف الجليــل
فلم أسمع بخطب أو مصاب***ولم أُرسل من المنفى رسولي
فـ (طاهر) واد سوف كان فـذّا***بعلمٍ أو حديث أو أصــــــــــــول
إلى أن يقول:
فقد فقدت جزائـــــــرنا عظيما***صبورا في الشدائد والمهـول
إذا قصرت في حق لجهلـــي***بأصداء الرحيل أو العـــــــــويل
فجزء من حياتي في اغتراب***وجــــزء فـــــي منام أو مقيــل
ويختم القصيدة قائلا:
وعذرا يا إمامي تاه مُهـــري***وجنّح طائري واهتاج غــولي
وعفوا يا مربي بعض جيلـي***كـ (سعد) أو سعيد أو خـــليل
فلا تعتب علي فسوء حالـي***وأيامــــي البطيئة مثل ليلــي
وسامحني على مـرّ التنـائـي***فترحـــالي غدا كالمستحيـــل
وأسقامـــــي تكبلني بركنـي***وأحلامي كنجمي في أفــول
7 ـ آثاره :
ترك الشيخ التليلي ثروة متنوعة من المصنفات في علوم القرآن والفقه واللغة والتاريخ والآداب، ويعبر بنفسه عنها بنبرة تتلمس فيها تواضع العلماء فيقول:
مؤلفاتي جلّهــا رسائــل***لقصــــــر وبعضـــــــها مسائــــــــــل
لقصر كــذاك أو تقصيــــر***في البحث والمسموع والتعبير([102])
وأهم ما وصلنا من تلك المصنفات ما يأتي:
1 ـ "المدخل إلى غريب القرآن". ([103])
2 ـ "حجر المخلاة في مجالس المحاجاة". ([104])
3 ـ "تلخيص الأرقام والأعداد لما وجد في القرآن من المواد".([105])
4 ـ "رسائل في رسم الألف في القرآن كما في المصحف". ([106])
5 ـ "التعليقات البيانية على منظومات مسائل قرآنية". ([107])
6 ـ "قواعد البيان في الثابت والمحذوف في القرآن على رواية ورش رحمه الله". ([108])
7 ـ "سلوة المهموم والمحتار في قراءة هذه الأشعار من مختلف الأقطار والأعصار". ([109])
8 ـ "نظم متن الاستعارات للسمرقندي". ([110])
9 ـ "ديوان الدموع السوداء".([111])
10 ـ "التوجيهات التربوية في القصائد والمقطوعات المدرسية".([112])
11ـ "المقتطفات المنظومة من مؤلفاتي المعلومة".([113])
12ـ "مقتطفات من ديوان الدموع السوداء".([114])
13 ـ "الفوائد المنثورة من المطالعات المبتورة". ([115])
14 ـ "المسائل الفقهية".([116])
15 ـ "نظم متن الورقات في الأصول للجويني". ([117])
16 ـ "رسالة النماذج الهامة لأمثلة المطابقة العامة". ([118])
17 ـ "القول الفصل في الرجوع بالعامية إلى الأصل".([119])
18 ـ "زهرات لغوية من كتاب الألفاظ الكتابية لعبد الرحمن الهمذاني".([120])
19 ـ "رسالة الرموز". ([121])
20 ـ "قصة الشيخ العجوز". ([122])
21 ـ "رسالة الدرر الملكية في الدراري الفلكية".([123])
22 ـ "إتحاف القارئ بحياة خليفة بن حسن الأقماري".([124])
23 ـ "حديث السامر من صروف ابن عامر". ([125])
24 ـ "رسالة الأذكار الشرعية". ([126])
25 ـ "الأمثال المسجوعة والحكم العامية المسموعة". ([127])
26 ـ "مجموع مسائل تاريخية". ([128])
27 ـ "فذلكة تاريخية عن منطقة سوف بالجزائر".([129])
28 ـ "هذه حياتي". ([130])
29 ـ "تلخيص كتاب الأضداد للمتوزي".([131])
30 ـ "تجريد شعر مقامات الحريري". ([132])
خاتمة:
من خلال العرض السابق في بيان أهم الملامح الشخصية في سيرة الشيخ محمد الطاهر التليلي، يتبين لنا بجلاء علو المنزلة ورفعة القدر الذي شرف الله سبحانه به هذا الشيخ الجليل، الذي عانى الأمرين في سبيل نشر العلم والمعرفة، وتنوير الأجيال في ظروف جد قاسية، وله صولات وجولات ضد الاحتلال الفرنسي في أكثر من موقع وأكثر من جبهة، ويأبى الله إلا أن يكتب الفوز والفلاح لعباده المؤمنين الصادقين.
واستمر الشيخ في رسالته النبيلة بعد نيل الاستقلال رغم ضيق ذات اليد، فعزف عن متاع الدنيا، وابتعد عن المناصب، وآثر العمل الهادئ وخدمة كتاب الله تعالى، وتنوير الأجيال بالمعارف المختلفة في الفقه والتاريخ واللغة والأدب.
وقد ترك آثارا مكتوبة غزيرة الفائدة عميمة النفع في مختلف فنون المعرفة، ولعل أشرفها ما كان خدمة لكتاب الله تعالى الذي تفرغ له الشيخ التليلي سنين عددا، تاليا متدبرا آناء الليل وأطراف النهار، وكتب في أبحاثه جملة من الدراسات، أهمها رائعته: "المسائل القرآنية".
كما ترك جيلا من الأساتذة والباحثين والمحبين تأثروا به أيما تأثر، ويترحمون عليه ويذكرون مآثره، وينشرون رسالته بين الناشئة قدوة طيبة فتبقى أعماله وأفضاله حاضرة على امتداد الأيام مذكورة ومشكورة.
والحمد لله تعالى في البدء والختام، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الهوامش:
([16]) علي بن سعد: عالم مصلح، ومدرس فاضل، وصحفي قدير. ولد بڤمار حيث تلقى تعليمه الأول ثم بجامع الزيتونة، واشتغل بالتدريس بعد تخرجه.
نشط في إطار جمعية العلماء حتى عدّ من خطبائها البارزين، كما أسس جريدة الليالي، وسجن عام 1938م بتهمة التمرد على السلطة، ثم وضع في الإقامة الجبرية ولم يخل سبيله حتى عام 1943م.
تولى التدريس في مدارس جمعية العلماء في عدة مناطق.
وبعد الاستقلال انتظم في سلك التعليم الرسمي إلى أن توفي إثر نوبة قلبية داخل القسم بالجزائر العاصمة.
ينظر: محمد الحسن فضلاء، من أعلام الإصلاح في الجزائر 2/18 ـ 21؛ العمامرة ومنصوري، المرجع السابق ص:79 ؛ ومجموع مسائل تاريخية للتليلي (مخ) ص:91 ـ 92.
([17]) الياجوري: عالم مصلح، وفقيه مربي. ولد بڤمار وحفظ القرآن الكريم عن والده، كما درس بتوزر وأتم تعليمه بجامع الزيتونة ، وبعد تخرجه تولى الإمامة والخطابة بڤمار وكان مسيرا لشعبة جمعية العلماء بها.
ثم انتقل إلى البياضة بطلب من عبد العزيز الهاشمي للتدريس في المدرسة الحرة مع الخطابة في مسجد الزاوية إلى أن ألقي عليه القبض سنة 1938م بتهمة التمرد على السلطة، فسجن مدة سنتين ثم وضع في الإقامة الجبرية.
عين أستاذا بمعهد الإمام ابن باديس، ثم في بلعباس ثم غليزان، كما تولى عدة مهام بالجمعية وبجبهة التحرير.
واستقر رفقة عائلته بوهران مشرفا على مدرسة الفلاح، كما درّس بمعسكر وأودع السجن عام 1956م ولم يفرج عنه إلا في 1962م.
عمل بعد الاستقلال مفتشا للشؤون الدينية ثم أستاذا بثانوية ابن باديس بوهران إلى أن تقاعد عام 1977م، فاستمر في الإمامة والتدريس إلى أن وافاه الأجل.
ينظر: فضلاء، المرجع السابق 2/76 ـ 80؛ العمامرة ومنصوري، المرجع السابق ص:89 ـ90؛ وشرفي، معلمة الجزائر ص: 1482.
([36]) ولد بڤمار ـ الوادي، وقرأ القرآن ومبادئ العلوم بمسقط رأسه ثم ببسكرة . ارتحل عام 1930م إلى جامع الزيتونة بتونس وتخرج بشهادة التحصيل عام 1936م ، اختار بعد عودته لڤمار العمل التجاري والتدريس التطوعي، ولما لم يفلح في التجارة التحق بالتعليم في صفوف جمعية العلماء ببسكرة ثم قسنطينة، وكان كاتبا في إدارة معهد ابن باديس.
وانضم إلى صفوف جبهة التحرير سرا، ولما كشف أمره سُجن مدة عامين، وبعد الاستقلال عمل مديرا لمصلحة الأوقاف في الوزارة إلى أن وافاه الأجل في حادث مرور ضمن وفد وزاري لتدشين مسجد بالأغواط.
قال عنه الشيخ التليلي: "كان رحمه الله نشيطا في هدوء، وهادئا في نشاط، وكان كثيرا ما يميل إلى النظام والتنظيم، أمينا في مهنته، متواضعا في معاملته، رحيما بالعامة والضعفاء...". (ينظر: التليلي، مجموع مسائل تاريخية (مخ) ص:92 ـ 94؛ ونويهض، معجم أعلام الجزائر ص:122؛ والعمامرة ومنصوري، مرجع سابق ص:87).
([40]) هو محمد بن خير الدين بن محمد، ولد أواخر عام 1902 ببلدة فرفار ـ بسكرة، حفظ القرآن الكريم وتلقى مبادئ العلوم بمسقط رأسه ثم بقسنطينة، وفي عام 1918 توجه إلى جامع الزيتونة بتونس وتخرج منه بشهادة التطويع عام 1925.
انخرط في صفوف العمل الإصلاحي وعظا وتدريسا بفرفار، ثم استقر ببسكرة، وكان من المؤسسين الفاعلين في جمعية العلماء حيث كان مراقبا عاما ثم نائبا للرئيس، ونائبا لمدير معهد ابن باديس، كما عين ممثلا لجبهة التحرير في المغرب، وأخيرا عضوا بالمجلس الوطني للثورة الجزائرية.
توفي يوم 10/12/1993 بالجزائر ودفن ببسكرة. (ظ: مذكرات الشيخ محمد خير الدين، جزءان).
وقد تأسست البلدية عام 1963م، أما قبل ذلك فكانت "كمبيطة" تابعة لواد المرسى بلدية أوقاس بالولاية نفسها.(www.kendira.over-blog.com .pages-1413337 htmتاريخ الاطلاع: 18 ـ 10ـ 2010)
([43]) ابن باديس: عبد الحميد بن محمد، من كبار رجال الإصلاح والتجديد، الرئيس المؤسس لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين.
ولد بقسنطينة عام 1889م وتعلم بمسقط رأسه ثم بالزيتونة بتونس وتخرج بشهادة التطويع عام 1911، واشتغل بالتدريس ونشر التعليم العربي كما أصدر عدة صحف وحرر فيها مقالات كثيرة منها: المنتقد، الشهاب، الشريعة، السنة المحمدية، الصراط. توفي بقسنطينة سنة 1940م.
من آثاره: مجالس التذكير، العقائد الإسلامية. (ينظر: كحالة، معجم المؤلفين 5/105؛ الزركلي، الأعلام 4/60؛ نويهض، معجم أعلام الجزائر ص28).
ولد في بني ورثيلان نواحي سطيف عام 1900، واستكمل دراسته على الشيخ عبد الحميد بن باديس بقسنطينة.
سافر إلى فرنسا، والقاهرة، واليمن، وتوفي بتركيا سنة 1959م. من آثاره: الجزائر الثائرة. (ينظر: نويهض، معجم أعلام الجزائر ص340 ـ 341؛ ود. يحي بوعزيز، أعلام الفكر والثقافة في الجزائر المحروسة 1/176 وما بعدها).
([62]) هو عبد العزيز بن الهاشمي بن إبراهيم الشريف: ولد بالبياضة ـ الوادي عام 1898م تلقى تعليمه بزاوية والده، ثم أكمل دراسته بجامع الزيتونة وتخرج بشهادة التطويع عام1923م، وأصبح المؤهل لخلافة والده لمشيخة الزاوية القادرية وفروعها في كل من تقرت وبسكرة وسكيكدة والجزائر العاصمة.
وكان له ذلك. وبعد عودته من الحج عام 1936م بدأ يقترب من جمعية العلماء إلى أن أصبح عضوا فعالا فيها، ورتب زيارة وفد الجمعية إلى الوادي أواخر عام 1937م.
وحوّل جزءا من الزاوية إلى مدرسة ومعهد علمي يستوعب أكثر من خمسمائة طالب.
نظم مظاهرات مناهضة لفرنسا أدّت إلى اعتقاله مع رفاقه بقسنطينة.
وبعد أربع سنوات فرضت عليه الإقامة الجبرية مع النفي إلى شرشال ثم أزفون وأخيرا إلى العاصمة، ثم نفي سنة 1953م إلى تونس.
تبرع بأكثر ممتلكاته لصالح الثورة، وبقي حتى بعد الاستقلال ملازما داره بتونس العاصمة وكانت وفاته سنة 1965م.
ينظر: د. إبراهيم مياسي، من قضايا تاريخ الجزائر المعاصر ص:221 ـ 239؛ والعمامرة ومنصوري، أعلام من سوف ص:47 ـ 49.
([91]) ولد بالجنوب التونسي في 10/09/1945م من عائلة مهاجرة من وادي سوف. ترعرع في مدينة الوادي حيث تابع دراسته إلى أن اشتغل بالتدريس في مختلف أطوار التعليم الأولى.
ثم تابع دراساته العليا بجامعة الجزائر إلى أن تحصل على الدكتوراه في التاريخ الحديث والمعاصر، إلى جانب اشتغاله بالتدريس في قسم التاريخ بالجامعة نفسها.
توفي يوم 07/01/2010م بعد معاناة مع المرض دامت أشهرا.
من آثاره: الاحتلال الفرنسي للصحراء الجزائرية، من قضايا تاريخ الجزائر المعاصر، مقاربات في تاريخ الجزائر، ولمحات من جهاد الشعب الجزائري.
([92])د. إبراهيم مياسي، لمحات من جهاد الشعب الجزائري ص: 261.
([94]) هو محمد التجاني بن محمد الصغير بن إبراهيم زغودة، ولد بڤمار عام 1917م، كان جدّه سي إبراهيم من أشهر مدرّسي القرآن الكريم بالزاوية التجانية بڤمار، هاجر محمد الصغير رفقة عائلته إلى تونس وعمر محمد التجاني نحو عامين، فاستقر في بنزرت وافتتح بها متجرا، حيث حفظ الفتى القرآن الكريم ونشأ وترعرع، وكان يتردد مع أسرته من حين لآخر على ڤمار.
التحق بجامع الزيتونة وتخرج بشهادة التطويع.
وقد تعلّق محمد التجاني بالمطالعة منذ الصغر إلى درجة أنه كان يحرم نفسه فطيرة الصباح ليجمع ثمنها كل أسبوع لشراء جريدة الزهور، ثم تطوّرت لديه ملكة القراءة فتوجّه نحو مجلة الإسلام ثم مجلة الرسالة ثم تطلع إلى أمهات الكتب في الأدب واللغة والتاريخ.
كما عمل محررا ومصححا لغويا بجريدة الزهرة، والتحق مبكرا بالعمل السياسي ورحل أثناء الثورة إلى مصر وسوريا ولبنان وتوطدت علاقاته بعدد كبير من قادة الثورة التحريرية.
وبعد الاستقلال استقر بقسنطينة عام 1965م وافتتح بها مكتبة صغيرة، وانضم إلى الدراسة بالجامعة إلى أن نال شهادة الليسانس في الأدب العربي.
ثم رجع إلى ڤمار بوادي سوف فعمل مديرا للمعهد الإسلامي إلى غاية سنة 1978م ثم بمتوسطة خليفة بن حسن وبعدها بإكمالية البشير الإبراهيمي، ثم بثانوية هالي عبد الكريم إلى أن تقاعد وتفرّغ للقراءة والكتابة.
كان محبا للعلم والتعليم، جريئا في الحق لا تأخذه في سبيله لومة لائم، كما كان شغوفا بالإصلاح ونبذ التفرق والتعصب. توفي يوم السبت 11 نوفمبر سنة 2006م.
من آثاره: خلاصة ما جاد به الزمن من أخبار سيدي خليفة بن حسن (مخ)، والشيخ الطاهر التليلي كما عرفته (مط).
هذا وإن بعض من كتب عن الشيخ سجّل تاريخ الوفاة بيوم الجنازة مساء الأربعاء 17 رمضان 1424 هـ 12 نوفمبر 2003 منهم: الأستاذ محمد التجاني زغودة (1917 ـ 2006) في بحثه: الشيخ الطاهر التليلي كما عرفته ص: 22؛ ود. إبراهيم مياسي (ت1431هـ 2010م) في كتابه: لمحات من جهاد الشعب الجزائري ص: 10؛ وكتاب: أعلام سوف من إعداد وإصدار دار الثقافة لولاية الوادي (ط: 1؛ الوادي: شركة مزوار، 2006م) ص: 28.
وقد اتصلت بأولاد الشيخ التليلي عن طريق سبطه (ابن ابنته) صديقنا الأستاذ توفيق بن عبد الحميد طالبي ضمن جملة أسئلة مكتوبة وأكدوا كتابيا صحّة ما أوردته من تاريخ وساعة الوفاة.
([101]) ولد الشاعر أحمد الطيب معاش عام 1345هـ/1926م بسريانة نواحي باتنة، حفظ القرآن الكريم وتلقى مبادئ العلوم بمسقط رأسه وبقسنطينة، ثم واصل تعليمه بجامع الزيتونة بتونس، وانقطع ليلتحق بالثورة عام 1955، ثم أرسل عام 1958 لسورية على رأس وفد ممثل للثورة الجزائرية وللحكومة المؤقتة بها، كما انتسب لكلية الحقوق بجامعة دمشق.
عمل بعد الاستقلال سفيرا للجزائر في ليبيا من 1963 إلى 1972، واختار الإقامة بأوروبا وكانت عودته للوطن عام 1990. ظهرت بدايته مبكرة في الكتابة منذ الأربعينيات حيث نشر مقالات وقصائد كثيرة في البصائر والمنار وغيرهما، كما تقلى جوائر وتكريمات دولية متعددة منذ عام 1946 .
توفي بالجزائر العاصمة سنة 1426هـ/2005م.
من آثاره: مع الشهداء، التراويح وأغاني الخيام، الوطن المقدس وقوافل الشهداء، قصائد بيضاء في ليال سوداء، حصاد اليراع في زمن الضياع. (ينظر: موسوعة العلماء والأدباء الجزائريين ص259 ـ 260؛ وشرفي، معلمة الجزائر ص1333).
([103]) منظومة من (445) بيت من الرجز فرغ المؤلف من تبييضها عام 1402 هـ. وهي مطبوعة ضمن كتابه: بدائع الجنان واللسان في غريب الألفاظ ومسائل القرآن، تقديم: أبو القاسم سعد الله (الجزائر: شركة دار الأمة، 1994م). وانظر: إبراهيم رحماني، «عناية الشيخ محمد الطاهرالتليلي بالدراسات القرآنية» ضمن كتاب: العلامة المصلح محمد الطاهر التليلي: قراءات في سيرته وفكره وآثاره، مرجع سابق، ص: 95.
([110]) مخطوط في ست ورقات أتمه الشيخ بتاريخ 28 جمادى الثانية 1363هـ. وانظر: سعد الله، تقديم كتاب: بدائع الجنان للتليلي ص 10.
والسمرقندي: هو إبراهيم بن محمد بن أبي بكر الليثي، السمرقندي، القارئ، البياني، الفقيه الحنفي، المتوفى حوالي 907هـ.
من آثاره: الرسالة السمرقندية، وهي رسالة الاستعارات في البيان، وبلوغ الأرب من تحقيق استعارات العرب، وحاشية على تفسير البيضاوي، ومستخلص الحقائق شرح كنز الدقائق. (كشف الظنون:845 و853؛ إيضاح المكنون 1/140 و194؛ الأعلام 1/65؛ ومعجم المؤلفين 2/643).
([119]) مخطوطة في سبع وخمسين (57) صفحة بخط المؤلف، وقال في غلافها: "شواهد للكلمات العامية من اللغة العربية الفصحى وهي مسودة رسالة سميتها: القول الفصل في الرجوع بالعامية إلى الأصل".
وبحوزتنا صورة عن المخطوط. ويذكر د. أبو القاسم سعد الله أن المخطوط يبلغ أكثر من 100 صفحة (خارج السرب ص: 264) وهذا يفيد أحد أمرين؛ إما أن الصورة التي بحوزتنا غير كاملة خاصة أنها تفتقر إلى خاتمة وفهرس على خلاف عادة الكاتب؛ أو أنها مسوّدة مثلما صرّح المؤلف في تقديمها، وأن التي لدى د. أبو القاسم سعد الله هي المبيّضة.
وأذكر أنني صوّرت بنفسي نسختي عن نسخة د. أبو القاسم سعد الله قبل بضعة أشهر من وفاة الشيخ التليلي.
([120]) وهو دفتر من 37 صفحة من الحجم الكبير. اقتطف الشيخ مادته أو زهراته من كتاب (الألفاظ الكتابية) لعبد الرحمن بن عيسى الهمذاني المتوفى سنة 320 هـ (د. أبو القاسم سعد الله، خارج السرب ص:260). والهمذاني: هو عبد الرحمن بن عيسى بن حماد الهمذاني، إمام من أئمة اللغة، وشاعر فاضل.
قال الصاحب بن عباد: "لو أدركت عبد الرحمن بن عيسى لأمرت بقطع يده"؛ ولما سئل عن السبب أجاب: "جمع شذور العربية في أوراق يسيرة فأضاعها في أفواه صبيان المكاتب، ورفع عن المتأدبين تعب الدروس والحفظ الكثير والمطالعة الكثيرة الدائمة".
له مصنفات قليلة منها: "الألفاظ الكتابية".
وبحوزتنا صورة عن المخطوط. وقد طبعها مؤخرا المجلس الإسلامي الأعلى بالجزائر بتقديم وتعليق: أ. د. أبو القاسم سعد الله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق