للعلم تم النقل
تم نقل ونشر الموضوع بواسطة
rachidtala
حقوق الراعي والرعية ولزوم جماعة المسلمين
الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه، ونثني عليه، أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله، وأصحابه، وأتباعه وسلم تسليما كثيرًا، أما بعد:
كمال الشريعة
فإن من فضل الله – عز وجل – على البشرية أن أرسل إليهم محمدًا – صلى الله عليه وسلم – بدين الإسلام، المحتوي على جميع الخيرات والفضائل، فإن هذه الشريعة شريعة كاملة، ما تركت بابا من الأبواب التي يحتاج الناس إلى معرفة حكمها وإلا وقد فصلت الشريعة أحكامه، وبينت حكم الله فيه، بيانا واضحًا صريحًا، قال تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ} [سورة النحل: الآية 89] وقال – سبحانه -: {اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [سورة المائدة: الآية 3].
إن مقتضى إكمال الشريعة أن تكون شملت بأحكامها جميع ما يحتاج إليه الناس، فنظمت ما يحتاج إليه الناس في معاملتهم مع ربهم – جل وعلا -، كيف يعبدون الله، بينت أن العبادة حق خالص لله، لا يجوز صرفه لأحد سواه، وأن طريق معرفة العبادة هو الشرع كتابًا وسنًة، فلا يصح لأحد من الناس كائنًا من كان أن يخترع عبادات جديدة لم يأت بها الكتاب والسنة.
نظمت أحكام معاملات الناس فيما بينهم، في بيعهم وشراءهم، في معاملاتهم وأخلاقهم.
بينت أحكام الولاية، ما هي حقوق الوالي التي له والتي عليه؟ جاءت بأحكام واضحة صريحة ليس فيها لبس ولا غموض.
العمل بالشريعة سبب استقامة أحوال الناس
إذا عمل الناس بهذه الشريعة فإن أحوالهم تستقيم في دنياهم وأخراهم، أما استقامة الأحوال في الآخرة فإن الله – جل وعلا – وعد أهل الطاعة بالجنة، وبالمغفرة، وبرفعة المنزلة في دار الخلد.
وأما استقامة أحوالهم في الدنيا، فإن الله – جل وعلا – هو العالم بما يصلح أحوال الناس، وقد بين أن هذه الشريعة فيها الخير والصلاح للناس، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [سورة الأنبياء: الآية 107].
فمن سار على هذه الشريعة جاءته الخيرات راغمة، وإن كان المرء يعبد الله، ويسير على مقتضى شريعة رب العالمين، رغبة في الأجر والثواب، لكن الدنيا تأتيه تبعا قال – جل وعلا -:{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ القِيَامَةِ} [سورة الأعراف: الآية 32].
أثر الشريعة في تغيير حال العرب
إن المرء إذا تأمل ما فعلته الشريعة في العرب فيما يتعلق بأحكام الولاية، وجد أن هذه الشريعة لما طبقت أحكامها انقلبت أحوال الناس من السوء والشر إلى الخير وصلاح الأمور في دنياهم قبل آخرتهم.
كان العرب قبل بعثة النبي – صلى الله عليه وسلم – في حالة سيئة، يقاتل بعضهم بعضا، لا يرضى أحدهم بولاية بعضهم الآخر، لا يحترم بعضهم حقوق بعضهم الآخر، فكان ذلك سببا في جعلهم متفرقين، في جعلهم أمة ضعيفة لا تأبه لها بقية الأمم.
فلما بعث الله نبيه محمدًا – صلى الله عليه وسلم – بهذا الدين، وكان مما نظمته هذه الشريعة أحكام الولاية صلحت أحوال الناس، فأمنوا على أنفسهم، وأمنوا على أموالهم وأعراضهم، استقامت أحوالهم وأصبحوا قوة عظيمة، أصبحوا أمة مرهوبة الجانب.
التهاون في تطبيق الشريعة يكون سببًا للفرقة
لما ترك الناس هذه الشريعة وبدأوا يتهاونون في تطبيقها، كان ذلك سببا في حصول الفرقة فيما بينهم، وتقاتل بعضهم مع بعضهم الآخر.
الناظر في أحوال هذه البلاد يجد هذا جَلِيًّا واضحًا لما ترك الناس أحكام الشريعة في أحكام الولاية عادوا إلى حالهم الأولى، من الفرقة والاقتتال والتباغض والتحاسد، وغير ذلك من الأفعال الشنيعة، والأحوال الرديئة، لكن لما هيأ الله – جل وعلا – لهذه البلاد هؤلاء الأئمة من آل سعود مناصرين لدعوة الإمام الشيخ شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، عادت هذه الجزيرة إلى استقامتها الأولى، فصلحت أحوالهم، وأمنوا على أنفسهم، وابتعدت عنهم الشرور، والآثار السيئة القديمة التي كانوا فيها سابقا، ومن هنا فإننا إذا قارنا حالنا اليوم بما كان عليه الناس قبل عهد الملك عبد العزيز – رحمه الله -، وجدنا فرقا شاسعًا، فقد أمن الناس على أنفسهم ودمائهم، أمنوا على جميع أحوالهم، وجدت عندهم أسباب العافية والصحة، وجد عندهم التعلم بدل أن كانوا جهلاء.
أنواع الحقوق
الحقوق على ثلاثة أنواع:
أولا: حقوق الراعي:
إن الله – جل وعلا – قد أوجب لأئمة المسلمين حقا على الرعية يجب عليهم أن يقوموا به، ويحرم عليهم التفريط فيه، يقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: «إن الدين النصيحة، إن الدين النصيحة، إن الدين النصيحة». قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: «لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم»(1 )، فللأئمة حقوق على الناس يجب عليهم أن يراعوها، وأن يقوموا بها، ويحرم عليهم أن يفرطوا في شيء منها.
إذا تقرر هذا فما هي هذه الحقوق؟
1 – اعتقاد ولايته وأن الله – جل وعلا – قد جعله إماما للمسلمين:
فإذا اعتقدنا الولاية، اعتقدنا أنهم يجب طاعتهم ويجب على الناس أن يسلموا بولايتهم، وألا يخرجوا عنهم، لقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: «من خرج من الطاعة، وفارق الجماعة، فمات مات مِيتة جاهلية».( 2)
2- طاعتهم في المعروف ظاهرًا وباطنًا:
من حقوق الأئمة والولاة طاعتهم في المعروف ظاهرًا وباطنًا، فيتقرب الناس إلى الله – عز وجل – بتنفيذ الأوامر التي يصدرونها، سواء كانت هذه الأوامر فيما يتعلق بأموال الإنسان، أو ما يتعلق بأفعاله وتصرفاته، في المرور والتنظيمات الإدارية، أو في غيرها فتجب طاعة الولاة في ذلك، فإن الله – عز وجل – قد أمر بطاعتهم فقال الله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} [سورة النساء: الآية 59] ويقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: «السمع والطاعة حق على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أُمِر بمعصية فلا سمع عليه ولا طاعة» ( 3)، ويقول – صلى الله عليه وسلم -: «اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا، وَإِنِ اسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ، كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ» ( 4)، ويقول – صلى الله عليه وسلم -: «اسمع وأطع للأمير الأعظم، وإن ضرب ظهرك، وأخذ مالك» كما رواه الإمام مسلم في صحيحه(5 ).
3 – النصح لهم وتبيين الحق بلطف:
ومن الحقوق الواجبة لولاة أمور المسلمين: أمرهم بالحق بلطف، فنبين لهم الحق ونعرفهم به بأسلوب طيب حسن، وألا يكون ذلك بالعنف، فإنه ما دخل العنف في شيء إلا شانه، ولا كان الرفق في شيء إلا زانه، وهذا من النصيحة الداخلة في حديث تميم الداري «ولأئمة المسلمين وعامتهم»(6 )، وقد جاء في الحديث أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «إِنَّ اللهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلَاثًا، فَيَرْضَى لَكُمْ: أَنْ تَعْبُدُوهُ، وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ: قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةِ الْمَالِ» كما رواه الإمام مسلم في صحيحه ( 7).
فمن حقوق الراعي تنبيه الرعاة لما غفلوا عنه، أو لم يبلغهم من حقوق المسلمين بأسلوب مناسب، وطريقة طيبة بحيث تؤدى الحقوق لأصحابها، فإن الشريعة قد أمرت بإعطاء كل ذي حق حقه، ومن وسائل ذلك تنبيه الولاة والرعاة لمثل ذلك، حتى تصل الحقوق لأصحابها.
4- تأليف القلوب على طاعتهم:
ومن حقوق الراعي تأليف القلوب على طاعتهم، حتى يستجيب الناس لما يصدر عنهم من الأوامر، ونعرفهم بأن ذلك من الواجبات الشرعية، فإن ذلك من الدعوة لدين الله – عز وجل -، ومنها تبليغ أمر الله بطاعة الولاة، فإننا نكون بذلك من الدعاة لدين الله، والدعوة لدين الله من القربات التي يثاب الإنسان عليها، فقد قال الله – جل وعلا -: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [سورة يوسف: الآية 108]، فكل من كان تابعا للنبي – صلى الله عليه وسلم – فإنه يقتدي بطريقته في الدعوة إلى الله – عز وجل -.
5- عدم الخروج على ولاة الأمور:
ومن حقوق الراعي الواجبة المتعينة: ترك الخروج عليهم سواء أكان ذلك الخروج بعدم طاعتهم، أو بالسلاح والسيف، أو بالقول، فكل هذا من الخروج على الولاة، وهو من المحرمات الشرعية لقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لاَ حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً ( 8)» كما رواه الإمام مسلم في صحيحه (9 ).
ومن حق الراعي أيضا أن نبين كل جهد يقوم به أحد من الناس في الخروج عليهم، نتقرب بذلك لله – عز وجل -، فإذا رأينا تصرفًا يُراد به إخلال بأمن أو خروج على الراعي وجب على كل من علم بحالهم أن يبلغ الولاة، وأن يعرفهم بذلك، فإن هذا من الواجبات الشرعية، ويحرم على الإنسان أن يساعد أحدًا ممن يقوم بأي جهد يؤدي إلى الخروج على الولاة أو الأئمة، فإن ذلك مما يخالف شريعة رب العالمين، لقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: «وَمَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ، وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ، فَلْيُطِعْهُ إِنِ اسْتَطَاعَ، فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الْآخَرِ»( 10).
6- الصلاة خلفهم والجهاد معهم:
ومن حق الولاة أيضا الصلاة خلفهم، والجهاد معهم كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: «وإذا استُنفرتم فانفروا» ( 11).
7- أداء الزكاة والصدقات لهم:
ومن حقوقهم أداء الصدقات إليهم والزكوات الواجبة، خصوصا في الأموال الظاهرة، كما أمر الله – عز وجل – بذلك في قوله – سبحانه -: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [سورة التوبة: الآية 103].
8- عدم غش الأئمة بالثناء الكاذب:
ومن حقوق الراعي أيضا: ألا يكتب الإنسان أو يتكلم بثناء كاذب عليهم، بل يكون صادقا في كلامه، ولا يَغُرَّ الولاة بثناء كاذب، فإن الكذب من المحرمات التي لا يجوز للإنسان أن يتكلم بها، قال الله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [سورة التوبة: الآية 119]، وقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ الصِّدْقَ طُمَأْنِينَةٌ، وَإِنَّ الكَذِبَ رِيبَةٌ» ( 12).
9- الدعاء لهم:
ومن حقوق الراعي: الدعاء له، فإن الدعاء له من القربات التي يتقرب بها الإنسان إلى ربه، فيدعو له بالصلاح باستقامة أحواله، أن يكون سببا من أسباب الخير والهداية، أن يهيئ له البطانة الصالحة ونحو ذلك، فإن الدعاء قربة يتقرب بها العبد إلى ربه – جل وعلا – كما قال – سبحانه -: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [سورة غافر: الآية 60]، وقال:{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [سورة البقرة: الآية 186]، وقد جاء في الحديث أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «دَعْوَةُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ، عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ كُلَّمَا دَعَا لِأَخِيهِ بِخَيْرٍ، قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ: آمِينَ وَلَكَ بِمِثْلٍ» كما في صحيح مسلم ( 13).
ولذلك كان الأئمة في جميع العصور يحرصون على الدعاء للولاة ويتقربون لله – عز وجل – بذلك، ولذلك قال الفضيل والإمام أحمد وغيرهم: ” لو أعلم أن لي دعوة مستجابة لجعلتها للسلطان “.
10- تعظيم مكانتهم وقدرهم:
ومن حق الراعي: معرفة قدره وتعظيم حقه، فلا نستهين بمكانته، ولا نحاول أن ننزل من منزلته في قلوب الناس، بل نتقرب إلى الله – عز وجل – بتعظيم مكانته التعظيم اللائق به، وبجعل هذا الإمام وهذا الراعي في مكانة عالية في قلوب الناس، حتى يكون ذلك سببا لجعل الناس يفعلون المشروع تجاه الأئمة والولاة، من طاعتهم، والسير على أوامرهم، واعتقاد ولايتهم، ونحو ذلك، لقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ» كما أخرج أبو داوود في سننه (14 )، وأخرج الترمذي في سننه أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «مَنْ أَهَانَ سُلْطَانَ اللَّهِ فِي الأَرْضِ أَهَانَهُ اللَّهُ» ( 15).
11- إعانتهم على الخير:
من حقوق الوالي والراعي على الرعية: إعانته على الخير، وإعانته على القيام بالأعمال التي أناطها الله به، فكلما وجدنا سبيلا إلى إعانته على أي عمل من الأعمال الصالحة، تقربنا لله – عز وجل – بإعانته على ذلك العمل وتيسير الأمور، لجعل الأعمال التي يؤديها على أكمل الأحوال وأتم المناهج، انطلاقا من قول الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [سورة المائدة: الآية 2 ].
ومما جاءت به الشريعة فيما يتعلق بالولاة: مشروعية محبتهم محبة إيمانية، فنحبهم لله – عز وجل -، نتقرب بذلك إلى الله – عز وجل -، وقد جاء في الحديث أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ، وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ، وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ، وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ» ( 16)، من هنا فإن المحبة الإيمانية عمل صالح نتقرب به لله – عز وجل – مع المؤمنين، وخصوصا مع الولاة.
12- الذب عن عرضه بالقول والفعل:
ومن حقوق الوالي والراعي على الرعية: الذب عن عرضه بالقول والفعل، فكلما وجدنا إنسانا يتكلم فيه سواء أكان على المنابر، أو في صحيفة من الصحف، أو قناة من القنوات، تقربنا إلى الله – عز وجل – بالذب عن عرضه، وبيان أن مثل ذلك الكلام من الأمور المحرمة التي لا تجوز في شريعة الإسلام، فقد جاء في الحديث أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «مَنْ رَدَّ عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَرُدَّ عَنْهُ نَارَ جَهَنَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ( 17).
13- الصبر على جورهم:
من القربات التي نتقرب بها إلى الله – عز وجل – فيما يتعلق بالراعي: أن نصبر على ما يصدر منه، مما يكون فيه هضم لنا، أو فيه مخالفة للشرع، فإن الصبر عبادة شرعية قد جاءت الشريعة بها، يقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: «من كره من أميره شيئا فليصبر، فإنه من خرج من السلطان شبرا مات مِيتَة جاهلية» كما في الصحيحين ( 18).
14- الوفاء بالبيعة:
ومن حقوق الوالي: الوفاء بالبيعة له، فإن الله – عز وجل – قد أمر بالوفاء بالعهود قال تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ العَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} [سورة الإسراء: الآية 34 ] وقال: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [سورة المائدة: الآية 1]، والنصوص في ذلك كثيرة، ومن هنا فإننا نقوم بالوفاء ببيعة الإمام.
ولا يلزم في بيعة الإمام أن يكون الإنسان قد صافحه أو صافح نائبه، بل بيعة الإمام تلزم كل من كان تحت ولاية ذلك الإمام، وكان تحت حكمه فإنه ولايته نافذة فيه، ومن لم يفي ببيعته فإنه غادر، والشريعة قد حرمت الغدر، وجعلته من آيات النفاق لقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا جَمَعَ اللهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يُرْفَعُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ، فَقِيلَ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ» (19 )، وقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم – لما ذكر الولاة: «كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الْأَنْبِيَاءُ، كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي، وَسَتَكُونُ خُلَفَاءُ فَتَكْثُرُ»، قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: «فُوا بِبَيْعَةِ الْأَوَّلِ، فَالْأَوَّلِ، وَأَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ، فَإِنَّ اللهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ» ( 20).
15- الكف عن معايبهم:
من الأمور التي يجب علينا أن نقوم بها تجاه الولاة: أن نكف ألسنتنا عن الحديث في معايبهم، فإن هذا من المحرمات التي تدخل في قول الله – عز وجل -: {وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ} [سورة الحجرات: الآية 12]، فلا يجوز للإنسان أن يتكلم بمعايب الولاة والرعاة، فهذا من المحرمات، ولا يقول قائل: بأن هذه الأمور موجودة فيهم، فإن الغيبة هي الحديث بمعايب الآخرين الموجودة فيهم، كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم – في الغِيبة: «أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟» قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ» قِيلَ أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ: «إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ، فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ».( 21)
ومن الأمور المتعلقة بهذا: أنه إذا صدر من الولاة اجتهادات يرون أنها الأنسب، فإنه لا يجوز التشنيع عليهم بمثل ذلك، بل الواجب تأليف قلوب الناس عليهم وجعلهم وحدة واحدة يعاون بعضهم بعضًا.
ومما يتعلق بهذا أيضا: أنه إذا كان عند الإنسان شيء من أسرارهم يجب عليه حفظ هذه الأسرار، فإن كتمان السر مما جاءت به الشريعة.
ومن الأمور المتعلقة بهذا أيضا: أنه إذا كان هناك شيء من المعاصي عند الراعي فإنه يُنْكِرُ الإنسان عليه بأسلوب مناسب وطريقة مناسبة، لا بالتشنيع ولا بالتشهير، وإنما بأسلوب سري لا يطلع عليه أحد من الناس، لمن كان قادرًا على مثل ذلك، إما برسالة خاصة من شخص واحد، فالمقصود إيصال الحق، لا أن نجعلهم يطيعون الله جَبْرًا وقسرًا من خلال ضغط الناس عليهم، أو من خلال تكثير الأسماء في الكتابات إليهم ونحو ذلك، لأن مقصودنا أن يطيع الولاة ربهم – جل وعلا – في مثل هذه الأعمال.
ولا يفهم من هذا أننا نُقُرُّ المعاصي التي عندهم، أو أننا لا ننكرها، هذا ليس من هدي الإسلام، يقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّهَا سَتَكُونُ بَعْدِي أَثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ تَأْمُرُ مَنْ أَدْرَكَ مِنَّا ذَلِكَ؟ قَالَ: «تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْكُمْ، وَتَسْأَلُونَ اللهَ الَّذِي لَكُمْ» ( 22)، وقال – صلى الله عليه وسلم -: «سَتَكُونُ أُمَرَاءُ فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ، فَمَنْ عَرَفَ بَرِئَ، وَمَنْ أَنْكَرَ سَلِمَ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ» قَالُوا: أَفَلَا نُقَاتِلُهُمْ؟ قَالَ: «لَا، مَا صَلَّوْا» (23 )، وجاء في الحديث الآخر أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قد رَغَّبَ في طاعة الولاة، والسير على موجب أوامرهم فقال – صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ، وَمَنْ يَعْصِنِي فَقَدْ عَصَى اللهَ، وَمَنْ يُطِعِ الْأَمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ يَعْصِ الْأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي» ( 24)، إذا سار الناس على مقتضى هذه التوجيهات الشرعية فإنه ستستقيم أحوالهم بذلك، وتصلح أمورهم، ويترتب عليه استقرار أحوال الناس، ويتمكن الولاة بذلك من إقامة الشريعة، وتنفيذ الحدود، ويأمن الناس على أموالهم دمائهم وأعراضهم، ويتمكن الإنسان من أداء أعمالهم، ويكون عند أهل الإسلام حضارة، ولا يتمكن أعداء الإسلام من أخذ شيء من حقوق المسلمين، لأنه أصبح لأهل الإسلام دولة، وأصبح لولاتهم مكانة، وأصبح المسلمون يدًا واحدة.
وإذا تأمل الإنسان في تواريخ الأمم سواء في أمة الإسلام أو في غيرها من الأمم، وجد أن أولئك الذين يخرجون على الأئمة والولاة، وإن كان مقصودهم خيرًا إلا أن ما يحدثونه من الشر والفتنة والسوء أعظم مما يحققونه من الخير، فسفك الدماء وجعل الناس فرقا وشيعا وأحزابا، يقاتل بعضهم بعضا، كل هذا حصل من فتن الخروج على الأئمة، ولذلك قال النبي – صلى الله عليه وسلم – في المجمع العظيم في حجة الوداع: «لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ» ( 25).
هذه نماذج من حقوق الراعي على الرعية، أوردناه لنتعرف على شيء من طريقة الشريعة وأحكامها في هذا الباب.
ثانيا: حقوق الرعية:
وأما القسم الثاني من الحقوق فهو: ما يتعلق بحقوق الرعية، وهي على نوعين:
النوع الأول: حقوق للرعية على الراعي:
مثل: العدل، وحماية الثغور، وتحكيم الشريعة، وحماية الأمة من فساد المعتقد والأخلاق، والقيام على مصالح المسلمين، وعدم إضاعة شيء منها، وعدم الاحتجاب عن شيء من مصالحهم، مع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والرفق بالرعية، ونحو ذلك من الحقوق الشرعية الواجبة على الراعي تجاه الرعية، وهذه الحقوق يحسن أن يخاطب بها الراعي مباشرة.
النوع الثاني: حقوق الرعية بعضهم على بعض:
إن الشريعة كما جاءت بإيجاب حقوق للراعي على الرعية، وللرعية على الراعي، جاءت أيضا بإيجاب حقوق متعددة للرعية بعضهم على بعض، فمن حقوق الرعية بعضهم على بعض:
1- كف الأذى:
كف الأذى عن بعضهم البعض، كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم – «بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ» كما في صحيح مسلم (26 )، ويقول الله – جل وعلا -: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} [سورة الأحزاب: الآية 58]، فأذية الرعية من كبائر الذنوب، ومن المعاصي التي لا بد فيها من أخذ صاحب الحق لحقه، ومن هنا يحذر الإنسان من أذية غيره، ولهذا جاء في الحديث أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟» قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، فَقَالَ: «إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ، وَصِيَامٍ، وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّار ِ»( 27).
2- إعانتهم:
ومن حقوق الرعية: أن يعينهم، فكلما وجد أحدًا محتاجًا إلى شيء من أنواع الحاجة أعانه بما يستطيع، ولذلك جاء في بيان فضائل الأعمال: أن من الأعمال الفاضلة أن تعين صانعا، أو تصنع لأخرق، وجاء في الحديث أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «ويعين الرجل على دابته فيحمل عليها، أو يرفع عليها متاعه صدقة» كما ورد ذلك في الصحيحين (28 )، وقال – صلى الله عليه وسلم -: «وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ» ( 29).
3- ستر عوراتهم:
ومن حقوق الرعية بعضهم على بعض: ستر عوراتهم، فإذا رأينا شيئا من المنكرات أو المحرمات لم نشعه في الناس، ولم نتكلم به، وإنما نصحنا صاحبه، ونتكلم معه بأسلوب مناسب، وطريقة طيبة، ونبين له الحق، ونستر عيبه وذنبه، لأنه إذا تكلم الناس في الذنوب استسهلوها، عندما يقولون: المعصية الفلانية انتشرت، فلان أقدم على الذنب الفلاني، حينئذ يكون ذلك الذنب مما يسهل على الناس الإقدام عليه.
ومن هنا جاءت الشريعة بالأمر بستر معايب الآخرين، فقال – صلى الله عليه وسلم – «من ستر مسلما ستره الله يوم القيامة»( 30).
4- تعليم جاهلهم:
ومن حقوق الرعية بعضهم على بعض: تعليم جاهلهم، فمتى وجدنا أحد الرعية يجهل شيئا من الأحكام، عَلَّمْنَاهُ وبَيَّنا له الحكم الشرعي، وهذا دأب الصحابة والتابعين من بعدهم.
5- إرشادهم لما فيه مصلحتهم:
ومن حقوق الرعية بعضهم على بعض: إرشاد بعضهم لمصالح الآخرين، فيشير عليه بالمشورة الصالحة، ويوضح له ما تستقيم به أحواله في دنياه وفي آخرته.
6- دفع المضار عنهم:
ومن حقوق الرعية بعضهم على بعض: أن يدفع بعضه المضار عن بعضهم الآخر، فكلما وجدنا ضررًا يضر بالناس ويلحق بهم الأذى، اجتهدنا في دفعه بما نستطيع، يقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: «الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ – أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ – شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ»(31 )، فجعل إماطة الأذى عن الطريق – حتى لا يتأذى منها المسلمون – من شعب الإيمان، ويقول – صلى الله عليه وسلم -: «لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا يَتَقَلَّبُ فِي الْجَنَّةِ، فِي شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَّرِيقِ، كَانَتْ تُؤْذِي النَّاسَ» كما ثبت ذلك في الصحيح(32 )، وقد جاء في الحديث: «وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ» ( 33).
7- جلب المنافع لهم:
ومن حقوق الرعية بعضهم على بعض: جلب المنافع، فإن المؤمن عندما يجلب منفعة لإخوانه يكون بذلك قد راعى حق إخوانه الذي أمره الله به – جل وعلا -، يقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: «عُرِضَتْ عَلَيَّ أَعْمَالُ أُمَّتِي حَسَنُهَا وَسَيِّئُهَا، فَوَجَدْتُ فِي مَحَاسِنِ أَعْمَالِهَا الْأَذَى يُمَاطُ عَنِ الطَّرِيقِ» ( 34)، فهنا لما أزال الضرر كان ذلك من الحسنات التي تسجل في ميزان العبد يوم القيامة، فالمقصود أن جلب الخير والمصلحة لإخواننا المسلمين هذا من حقوقهم علينا، لقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: «كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ» كما في الصحيح (35 ).
8- أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر:
ومن حقوق الرعية بعضهم على بعض: أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، كلما وجد الإنسان أحدًا من إخوانه يعمل شيئا من المعاصي حذره من تلك المعصية، وبَيَّنَ له عقوبة تلك المعصية دنيا وآخرة، بأسلوب طيب ولفظ حسن، لعله يحدث في قلبه خوفًا من الله، فيعود إلى الخير، ويترك تلك المعصية، ويفعل الواجب الشرعي الذي كان مفرطا فيه، والله – جل وعلا – يقول: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ} [سورة التوبة: الآية 71]، ويقول النبي – صلى الله عليه وسلم: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ المُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ» (36 ).
9- توقير الكبير ورحمة الصغير:
من حقوق الرعية بعضهم على بعض: توقيرهم لكبيرهم، ورحمتهم لصغيرهم، فعندما يرحم الناس بعضهم بعضًا يصبحون أخوة متعاونين، على الخير تتآلف القلوب، لذلك قال الله تعالى: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} [سورة الحجر: الآية 88] ويقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ» (37 )، وقال – صلى الله عليه وسلم -: «الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ، يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا»( 38)، ويقول – صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّهُ مَنْ لَا يَرْحَمْ لَا يُرْحَمْ»( 39)، ويقول – صلى الله عليه وسلم -: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا»( 40).
10- حب الخير لبعضهم البعض:
ومن حقوق الرعية بعضهم لبعض: أن يحب بعضهم الخير لبعض، فيحب كل واحد منهم أن يصل الخير للآخرين، جاء في حديث أنس في الصحيح أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» (41 ).
11- المحبة لهم:
ومن حقوق الرعية بعضهم على بعض: أن توجد المحبة بينهم، فيحب بعضهم بعضًا، ويتقربون بهذه المحبة لله – عز وجل -، فتكون محبتهم رغبة في الأجر من الله، لا من أجل أمور الدنيا، ولا من أجل البيع والشراء ونحو ذلك، بل تكون المحبة لله – عز وجل -، يقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: «ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ: مَنْ كَانَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ» (42 )، ولما ذكر السبعة الذين يظلهم الله في ظله ذكر منهم: «وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ» ( 43)، وقال – صلى الله عليه وسلم -: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَفَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى أَمْرٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ» ( 44).
12- الذب عن أموالهم وأعراضهم:
ومما جاءت به الشريعة من حقوق الرعية بعضهم على بعض: الذب عن أموالهم وأعراضهم وجميع حقوقهم، فإذا وجدت شيئا من حق أخيك يراد انتهاكه، إما بلسان، أو بيد، فإن من حق أخيك عليك أن تقوم بحماية حقه، وعدم تمكين المفسدين من شيء من حقوق إخوانك المسلمين.
13- تنشيط الهمم للطاعة:
ومن حقوق الرعية بعضهم على بعض: أن ينشط بعضهم همم بعضهم على الطاعة، إما بأن يتعاونوا عليها، وأن يكونوا يدًا واحدة في القيام بها، وأن يذكر بعضهم البعض بهذه الطاعات حتى يقوموا بها.
إن الشريعة قد أمرت بالنصيحة، وأمرت بالدعوة إلى الله – جل وعلا – وجعلت ذلك من أفضل القربات، وبينت أن من دل على هدى فله مثل أجر فاعله إلى يوم القيامة.
14- حسن المعاملة وحسن الأخلاق:
ومن حقوق الرعية بعضهم على بعض: إحسان التعامل والأخلاق فيما بينهم، فيحسن الإنسان تعامله مع إخوانه، يتقرب لله – عز وجل – بذلك، يقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ» (45 )، ويقول – صلى الله عليه وسلم -: «لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا، وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ» (46 ).
فالإحسان إلى الخلق من القربات التي يتقرب بها المؤمن إلى ربه، وكما يتعامل معهم بالأخلاق الفاضلة يتعامل معهم أيضا بالأقوال الحسنة، فإن القول الطيب مما جاءت الشريعة بالأمر به، يقول الله – جل وعلا -: {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنسَانِ عَدُواًّ مُّبيِنًا} [سورة الإسراء: الآية 53]، ويقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: «وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ»( 47).
15- العفو عن الزلات:
ومن حقوق الرعية بعضهم على بعض: أن يعفو بعضهم عن زلات بعض، فإنه ما من إنسان إلا ويحصل منه تقصير، وتحصل منه هفوة، فعندما يصبر الإنسان على خطأ الآخرين، ويعفو عن زلاتهم تستقيم الأحوال، وأما عندما يخطئ المخطئ ولا يطلب صفحًا ولا عفوًا، ويقوم صاحب الحق بالتمسك بحق بالمطالبة بحقه كاملًا، ولا يكون هناك عفو ولا صفح، فإنه سيكون النزاع والشقاق فيما بينهم، وهذا مخالف لمقاصد الشريعة.
16- تواضع بعضهم لبعض:
ومما جاءت به الشريعة أيضا فيما يتعلق بحقوق الرعية بعضهم على بعض: أن يتواضع بعضهم لبعض، فلا يتكبر الإنسان على الآخرين، يقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ اللهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا، حَتَّى لاَ يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَلاَ يَبْغِي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ» ( 48)، وقال – صلى الله عليه وسلم -: «لا يدخل الجنة مَن كان في قلبه مثقال ذرة من كبر». قيل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا، ونَعْلُه حسنة. قال: «إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر (49 ) الحق، وغَمْط ( 50) الناس» (51 )، فبين أن مما يدخل في مفهوم الكبر: غمط الناس واحتقارهم، ولذلك قال – صلى الله عليه وسلم -: «بِحَسْب امْرِئ من الشَّرِّ أن يَحْقِرَ أخاه المسلم» ( 52).
إذا تقرر هذا فإنه عندما يكون المرء صاحب حاجة، أو عندما يكون الإنسان فيه ضعف، فإن الشريعة تأمر بالعناية بمن كان كذلك أمرًا خاصًّا، ومن هنا جاءت الشريعة بالأمر بملاطفة اليتيم، والقيام بأحواله، يقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: «أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ كَهَاتَيْنِ فِي الْجَنَّةِ» وَقَرَنَ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ الْوُسْطَى وَالَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ. ( 53)، وقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: «اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ: الْيَتِيمِ، وَالْمَرْأَةِ» كما في السنن(54 ).
فكل من كان فيه صفة توجب ضعفه، فإن الشريعة تأمر بالإحسان إليه والقيام بحقه أعظم من أمرها بالقيام بحق غيره، ومن هنا فإن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلاَّ بِضُعَفَائِكُمْ؟»( 55)، وقال – صلى الله عليه وسلم -: «السَّاعِي عَلَى الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ، كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَكَالْقَائِمِ لَا يَفْتُرُ، وَكَالصَّائِمِ لَا يُفْطِرُ» (56 ).
17- توقير العلماء:
إن مما جاءت به الشريعة فيما يتعلق بحقوق الرعية بعضهم على بعض: أن الشريعة أمرت بتقدير العلماء، والقيام بحقهم، لأنهم هم الذين يرشدون الناس إلى الخير، فمن حق الرعية أن يوجد لهم أئمة يقتدون بهم في الخير، وعلماء يعرفون من خلالهم أحكام الشريعة، فإذا وجد مثل هؤلاء اقتدى الناس بهم في تطبيق أحكام الشريعة على أنفسهم، ومن هنا جاءت الشريعة بالأمر بتوقير العلماء، ومعرفة منزلتهم، وإعلاء درجتهم قال الله تعالى: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [سورة الزمر: الآية 9] وقال – جل وعلا -: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلًا} [سورة النساء: الآية 83] وقال: {وَمَا كَانَ المُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [سورة التوبة: الآية 122].
فهذا شيء من النماذج مما جاءت به الشريعة في حقوق الرعية، سواء حقوق الرعية على الراعي، أو حقوق الرعية بعضهم على بعض.
حقوق جماعة المسلمين:
النوع الثالث من أنواع الحقوق التي وردت بها الشريعة هو: حقوق جماعة المسلمين، فإن المرء لا يعيش وحيدًا فريدًا بعيدًا عن الناس، بل الناس يكمل بعضهم بعضًا، ومن هنا فإن للجماعة حقوقًا على الأفراد، يجب على الأفراد أن يقوموا بها، ويحرم عليهم التهاون في القيام بها، وهذه الحقوق قد وردت بها الشريعة، وأمرت بها من هذه الحقوق:
1- الأمر بجمع الكلمة:
إن الشريعة قد جاءت بالأمر بجمع الكلمة، وجعل الناس على كلمة واحدة لا يخالف بعضهم بعضا، لا يتنازعون، لا يكونون فرقا وشيعا، قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} [سورة الأنعام: الآية 159]، وقال – جل وعلا -: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا} [سورة آل عمران: الآية 103].
كان الناس قبل الإسلام متفرقين يقاتل بعضهم بعضًا، فلما جاءت الشريعة أمرت أهل الإسلام بأن تكون كلمتهم على حد سواء، كلمتهم واحدة على وفق شريعة رب العالمين، لا ينازع بعضهم بعضا فيما له من الحقوق، ومن هنا قال النبي – صلى الله عليه وسلم – في التحذير من أولئك الذين يفرقون بين الناس: «إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ» ( 57).
فأولئك الذين يفعلون ذنب التحريش، ويفرقون بين الناس، ويجعلونهم فرقًا وأحزابًا وشيعا، هؤلاء يقتدون بالشيطان، ويؤدون وظيفة الشيطان، ويخالفون بذلك الشرع، وإنما الواجب جمع كلمة الناس، وجعلهم على كلمة سواء، وخصوصا إذا أدى ذلك إلى سباب الناس بعضهم لبعض، بحيث يتكلم كل واحد في عرض أخيه، هذا مخالف لما جاءت به الشريعة.
يقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: «سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ» ( 58) ومما يقدح في قيام الإنسان بالحق الواجب للمسلمين عليه: أن يشارك في مقاتلتهم، أو أن يعمل عملًا يؤدي إلى الإخلال بمصالحهم العامة، كما قال – صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ خَرَجَ مِنْ أُمَّتِي عَلَى أُمَّتِي، يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا، لَا يَتَحَاشَ مِنْ مُؤْمِنِهَا، وَلَا يَفِي بِذِي عَهْدِهَا، فَلَيْسَ مِنِّي» كما في صحيح مسلم(59 )، ويقول النبي – صلى الله عليه وسلم – «لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ» ( 60).
2- إصلاح ذات البين:
ومن حقوق جماعة المسلمين إصلاح ذات بينهم، بأن يسعى الإنسان في إبعاد الشقاق والنزاع فيما بينهم، كما قال – جل وعلا -:{إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [سورة الحجرات: الآية 10]، وكما قال – جل وعلا -: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [سورة النساء: الآية 128].
3- حفظ اللسان عما يورث الشقاق:
ومن حقوق جماعة المسلمين أيضا: أن يحرص المؤمن على حفظ لسانه من أن يتكلم بكلمة تورث الشقاق والنزاع، وتجعل الناس يتفرقون بسببها، وتجعل الناس أحزابًا يقاتل بعضهم بعضا، فإن الكلام له أثر عظيم في نفوس الناس، وكثير من الفرقة وشتات الأمور يحصل بكلمة واحدة، وقد أمر الله – جل وعلا – بإحسان القول، قال – سبحانه -: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [سورة البقرة: الآية 83]، ويحذر الإنسان من الكلمة التي تسبب شرًّا عظيمًا، يقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيصْمُتْ» (61 ).
ومما يتعلق بهذا أن يحذر الإنسان من أن يكتب كلمة، سواء في صحيفة، أو في وسائل اتصال حديثة، أو في رسالة جوال، أو في غيرها، تؤدي إلى فرقة الناس، فإن هذا من المحرمات، ومن مخالفة توجيهات الشريعة بما جاءت به من حفظ حقوق جماعة المسلمين.
4- نشر الحق في الأمة:
ومن حق جماعة المسلمين أيضا: نشر الحق في الأمة، فعندما نعرف حكمًا شرعيًّا، وعندما ننشر الحق، نتكلم به في المجامع العامة، وفي الوسائل الإعلامية، وفي نحو ذلك نكون قد أدينا حقا من حقوق جماعة المسلمين.
5- الدعاء للمسلمين:
ومن حق جماعة المسلمين: الدعاء لأهل الإسلام بعامة، والدعاء عبادة يتقرب بها المؤمن إلى ربه – جل وعلا -.
6- التعاون على البر والتقوى:
ومن حق جماعة المسلمين: التعاون مع أهل الإسلام في كل ما فيه صلاح أمرهم، واستقامة أحوالهم في دنياهم وأخراهم، فالتعاون فيما بين أهل الإسلام قربة يتقرب بها المؤمنون إلى ربهم – جل وعلا -.
6- حفظ حقوق أهل الإسلام:
ومن حق جماعة المسلمين: حفظ حقوق أهل الإسلام، سواء عندما يكون المرء من أهل الوظائف العامة، أو يكون من أفراد المسلمين، فلا يتعدى على شيء من الأموال العامة، ولا يفسد مالًا عاما يستفيد منه أهل الإسلام قاطبة، ولا يحاول الاستيلاء على أموال بيت المال، فإن هذا من الغلول المحرم شرعًا، فقد بَيَّنَ النبي – صلى الله عليه وسلم – أن المرء يعذب بالمال القليل الذي يأخذه من المال العام، ولو كان شيئا قليلا ولو كان قضيب أراك.
من أسباب تفريق جماعة المسلمين:
هذا بيان شيء من حقوق جماعة المسلمين على أفرادهم، وليعلم المسلم أن من فضل الله – عز وجل – أن جعل هذا الدين مبنيا على أسس من هذه الأسس، جعل الناس على كلمة واحدة يجتمعون فيما بينهم، ومن هنا فإن من سار على هذا المنهج الذي يجمع الناس، ويجعلهم يقومون بالواجبات الشرعية، ويجتنبوا تفريقهم، فهذا هو المنهج الصحيح، وهو منهج شريعة الإسلام، وهو ما أمر الله به، وحث عليه رسوله – صلى الله عليه وسلم -، وهنا عرف أهل الحق بمسمى أهل السنة والجماعة، لأنهم يجمعون الناس على إمام يعتقدون ولايته وإمامته، فَجَمْعُ الناس على كلمة واحدة هذه هي طريقة أهل الإسلام، وهي طريقة أهل المعتقد الصحيح أهل السنة والجماعة، وقد أمر الله – جل وعلا – بذلك فقال – سبحانه -: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [سورة النساء: الآية 115].
الواجب تأليف قلوب الناس فيما بينهم وإصلاح ذات بينهم، كلما وجدنا شقاقا أو نزاعا حاولنا إعادة الأمور إلى حالها السابق، بحيث نبعد ما في القلوب من الغل والحقد والحسد، ونجعل الناس على كلمة واحدة، ونبين خطأ من أخطأ، ومن هنا يحذر الإنسان من أن يتكلم بلسانه حقدًا في الآخرين، وإنما الواجب أن نذكر الخير ونذكر الأمور الحسنة من أجل أن يقتدى بها مما جاءت به الشريعة.
1- التدابر:
نهي الإسلام الناس عن التدابر فيما بينهم بأن يولي كل منهم دبره للآخر، ومما جاءت به الشريعة: النهي عن التهاجر يقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: «ولا تدابروا (62 )، وكونوا عباد الله إخوانًا» ( 63).
وهجر المسلم لأخيه حذرت منه الشريعة، يقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه المسلم فوق ثلاث»(64 ).
2- الطعن في العلماء:
ومن أشنع ما يكون تفريقا لجماعة المسلمين أن يتكلم المرء في أعراض العلماء الهداة الذين يهدون الأمة، ويبينون لهم الشريعة، ويوضحون لهم الأحكام، فإن هذا من الصد عن دين الله، وجعل الناس لا يستقون الأحكام الشرعية من العلماء الموثوقين المأمونين.
إن الكلام في العلماء والقدح فيهم من كبائر الذنوب والمعاصي، يجب أن يحذر الإنسان منها، لما يترتب عليها من صد الناس عن طاعة الله – عز وجل – وعدم إرجاعهم إلى مصادر موثوقة، ترجع بالناس إلى الكتاب والسنة، فإن الله قد أمر الناس بالرجوع إلى العلماء وسؤالهم، فقال: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [سورة النحل: الآية 43].
عندما يقدح الناس في علمائهم تتفرق الكلمة، ولا يجد الناس مرجعًا يرجعون إليه لِتَبَيُّنِ أحكام دينهم، فيتركون دين الله فيكون ذلك من الصد عن سبيل الله – عز وجل -.
3- الطعن في أهل الحسبة:
كذلك القدح في أهل الحسبة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ضمانة للمجتمع، تجعل الناس كلمة واحدة لأن من أعظم أسباب الفرقة والشقاق هو المعاصي والذنوب، فعندما يكون هناك آمرون بالمعروف وناهون عن المنكر، ينهون عن ظهور المعاصي والمنكرات، فبإذن الله نسلم من كثير من الشرور، ومنها شر الفرقة والاختلاف والشقاق.
4- نشر الشائعات:
يجب أن يحذر الإنسان من إشاعة الشائعات المغرضة، أو الكلام الذي يفرق بين الناس، فإن إشاعة ذلك من المحرمات التي لا تجوز، خصوصا إذا اعتقد الإنسان كذب ذلك الكلام.
إن هذه الأمة يخشى عليها من تفرقها فيما بينها، ويخشى عليها من اقتتال بعضهم بعضا، أعظم مما يخشى عليهم من أعدائهم من غير المسلمين، فإن النبي – صلى الله عليه وسلم – قد قال: «سَأَلْتُ رَبِّي ثَلَاثًا، فَأَعْطَانِي ثِنْتَيْنِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً، سَأَلْتُ رَبِّي:أَنْ لَا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالسَّنَةِ فَأَعْطَانِيهَا،وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالْغَرَقِ فَأَعْطَانِيهَا،وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ فَمَنَعَنِيهَا»( 65).
فالخشية علينا من أنفسنا أعظم من الخشية علينا من أعدائنا، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
كلمة سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ المفتي العام للمكلة ورئيس هيئة كبار العلماء
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله، وسلم، وبارك على سيد الأولين والآخرين، محمد بن عبد الله، صلوات الله وسلامه عليه أبدًا دائمًا إلى يوم الدين، وعلى آله، وصحابته أجمعين، وعلى من تبعهم وسار على نهجهم، واقتفى أثرهم، واتبع هديهم، وتأسى بطريقتهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
إتمام الله لنا الدين
إن تشخيص أمراض المجتمع، ثم علاج ذلك الداء بالدواء الشرعي من الكتاب والسنة هو العلاج الناجح الناجع النافع المفيد، فإن هذه الشريعة المحمدية أكملها الله وأتمها ورضيها، قال تعالى: {اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [سورة المائدة: الآية 3] هذا الكمال لهذا الدين يدل على أنه ليس بحاجة إلى إضافة مضيف، وزيادة مستزيد، فهو كامل كما جاء عن الله، وكما بلغه رسوله – صلى الله عليه وسلم -، والله رضيه فلن يسخطه، والله أتم به النعمة.
الشريعة جاءت لعلاج مشكلات المجتمع
هذه شريعة الله جاءت لعلاج كل مشاكل المجتمع قال تعالى:{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ} [سورة النحل: الآية 89] {مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ} [سورة الأنعام: الآية 38]، إنما يصاب الناس فيما يصابون به إذا تنكبوا عن الطريق المستقيم، وخرجوا عن هدي القرآن والسنة، قال تعالى: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ أَعْمَى} [سورة طه: الآيتان 123- 124]، هذا القرآن وتلكم السنة هما مصدري التشريع لهذه الأمة {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ} [سورة الأنعام: الآية 153].
أهمية وجود ولي الأمر
من حكمة الله أن أوجب على المسلمين أن تكون لهم قيادة، وأن يكون لهم راعٍ يرعاهم، وإمام يقودهم ليقوم بمهمة الأمة، لأن الأمة بلا قيادة وبلا راع تعيش فوضى لا يدرى نتائجها، بل نتائجها حتما سوء لكن لا يدرى نهايتها ومصيرها، ولهذا أوجب الله علينا السمع والطاعة لمن ولاه الله أمرنا فقال: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} [سورة النساء: الآية 59] وقال:{وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [سورة الأنفال: الآية 46].
فالراعي للأمة أمر ضروري لمصالح دينهم ودنياهم، فبالولاة يقام العدل، وتجتمع الكلمة، وتقام الحدود، وتنتظم مصالح الأمة، ويسعون في الأرض في الخير، وعندما تفقد الأمة راعٍ يرعاها وقائد يقود مسيرتها لا بد أن يضطرب أمرها، وأن يعدم خيرها، وأن تعيش في قتل وسلب ونهب.
إن العرب في جاهليتهم لا يخضع بعضهم لبعض، ولا ينقاد بعضهم لبعض، يتعارفون في ميدان الوغى، وعند القتال، وعند المعارك التي تدور عندهم على أتفه الأسباب وأحقرها.
جاء الإسلام وخالف أمر الجاهلية، فأوجب نصب الإمام، وأوجب السمع والطاعة لمن ولاه الله أمر هذه الأمة، وأوجب على المسلمين الأخذ على يد من يريد تفريق كلمتهم، وتشتيت صفوفهم، وإحداث الفرقة بينهم فقال: «مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ، يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ، أَوْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ، فَاقْتُلُوهُ» (66 )، لأن من يريد بالأمة الشر والفساد وتفريق الكلمة، وإحداث الفوضى هذا مفسد في الأرض، وحق المفسد أن يؤخذ على يده حتى يَسْلَمَ الناس من شره.
ما أصيبت الأمة الإسلامية في دينها ولا في خيراتها ومصالحها، إلا حينما فقدت القيادة الحكيمة، وعندما قامت تلكم الثورات العسكرية، التي عادت على المجتمعات بالبلاء والمصائب وسفك الدماء وانتهاك الأعراض ونهب الأموال، فالثورات العسكرية في العالم الإسلامي هي من أقوى الأسباب على إفساد الدين والدنيا، وعلى تفريق كلمة الأمة، وعلى إحداث الفقر والفاقة في المجتمع المسلم.
واجبات الإمام
جاءت الشريعة بالعدل فألزمت الإمام القيام بالواجب فجاء في الحديث: «إِنَّ اللَّهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ» (67 )، وقال: «كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته، الإمام راعٍ ومسئول عن رعيته» ( 68) فأوجب على الإمام القيام بالواجب، وجعل الإمام العادل أحد السبع الذين يظلهم الله تحت ظله يوم لا ظل إلا ظله.
إن الإمام إذا وفقه الله، وسدد خطاه وأعانه وهيأ له من بطانة الخير من يعينه إذا ذَكَرَ، ويُذَكِّرُهُ إذا نسي، ويساعده في تحقيق الخير، فإن هذا عنوان التوفيق للأمة، والرحمة بهم.
وحرم على الإمام الظلم، وأوجب عليه العدل، بل جعل الإمام العادل دعوته مستجابة، ففي الثلاثة الذين لا ترد دعوتهم ذكر منهم: الإمام العادل فقال: «ثَلَاثٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ، الإِمَامُ العَادِلُ، وَالصَّائِمُ حِينَ يُفْطِرُ، وَدَعْوَةُ المَظْلُومِ يَرْفَعُهَا فَوْقَ الغَمَامِ، وَتُفَتَّحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ»(69 )، لأن عدله ليس خاصا به بل عدله يتعدى لرعيته، فتصلح الأحوال، وتستقيم الأمور، وتنتظم الرعية.
والرعية يجب على الإمام رعايتهم، والسعي في مصالحهم، والحرص على ذلك، وأعظم ذلك أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وإقامة حدود الله فيما بينهم، والحكم بشريعة الله بينهم، فإنها الأحكام العادلة التي تعطي كل ذي حق حقه.
واجبات الرعية
وحرم على الرعية التعدي على الإمام والطعن فيه، وهذا من أخلاق غير المؤمنين، وكان السلف الصالح يدعون لولاة أمرهم، قال الحسن – رحمه الله -: نحب ولاة الأمور يقيمون فينا الجمع والجماعة، ويحفظون ثغورنا، ويعدلون بيننا، وينتصفون من للمظلوم من ظالمه.
وقال ابن المبارك – رحمه الله -:
لولا الأئمة لم تأمن لنا سبل… وكان أضعفنا نهبا لأقوانا
فالأئمة من سلف الأمة يحثون على السمع والطاعة، وجاء: أن من عادى السلطان وسبه وعابه فذلك دليل على ضعف الإيمان في قلبه، فلا يليق بمسلم أن يشمت في راعي الأمة، ولا أن يتتبع الزلات والهفوات، فالمعصوم من عصم الله، وكلنا خطاء، وخير الخطائين التوابون.
لو نظر الفرد منا إلى نفسه لرأى فيه من التقصير والعيب ما يوجب له أن يسعى في اصلاح شأنه، ولكن نتغافل عن أخطائنا، ونبحث عن أخطاء الآخرين، وأوجب الله وأوجب رسولنا – صلى الله عليه وسلم – النصيحة لولاة الأمر، فلما سئل فقال – صلى الله عليه وسلم -: «إن الدين النصيحة، إن الدين النصيحة، إن الدين النصيحة». قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: «لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم» ( 70).
وعلماء هذه الأمة وأهل الخير فيها كان هديهم الدعاء للأئمة، والحث على اجتماع الكلمة، والتحذير كل التحذير من الشذوذ والخلاف، وبيان ما يترتب عليه من سوء، قال الإمام مالك – رحمه الله – وقد عانى من كثير من الأمور: لسبعين ليلة يعيشها الناس مع إمام ظالم خير لهم من ليلة بلا إمام. قيل: لماذا؟ قال: ما يحصل للناس من فساد بلا إمام يعدل كذا وكذا.
إن الصبر على إمام ولو كان ظالما خير من ساعة، أو ليلة ليس فيها إمام يحكم الأمة، لأن الأئمة لهم فضل كبير، يصلح دين الناس، وتستقيم أمورهم وأحوالهم.
حقوق المسلمين
والمسلمون بينهم حقوق من محبة بعضهم لبعض، وموالاة بعضهم لبعض قال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [سورة التوبة: الآية 71] {إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [سورة الحجرات: الآية 10]، ويقول – صلى الله عليه وسلم -: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» (71 )،: «كل المسلم على المسلم حرام: دَمُه وماله وعِرْضه» (72 )، والنبي – صلى الله عليه وسلم – يقول: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لاَ يَظْلِمُهُ، وَلاَ يَحْقِرُهُ، وَلاَ يَخْذُلُهُ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ، التَّقْوَى هَا هُنَا، التَّقْوَى هَا هُنَا، التَّقْوَى هَا هُنَا». يُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلاَثًا: «بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ» ( 73).
والمسلم يحب أهل الإسلام في أي بقعة من بقاع الأرض، وهم إخوان له في الإسلام، يحبهم في الله، ويواليهم في الله، ويسعى في بذل الخير متى وجد لذلك سبيلا.
وصلى الله، وسلم، وبارك على عبد الله ورسوله محمد، وعلى آله، وصحبه وسلم تسليما كثيرًا.
الأسئلة
سماحة الشيخ، يقول السائل: ما حكم الخوض في الفتن التي تمس أمن المسلمين ودينهم من قِبَلِ من هو من غير أهل العلم؟
لا يجوز التكلم في قضايا الأمة العامة إلا من أهل العلم والفضل، يقول الله – جل وعلا -: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [سورة النساء: الآية 83].
سماحة الشيخ، يقول السائل: هل ما يقوم به بعض الناس من تفريق الناس إلى جماعات، ونصرة من ينتمي إليهم، وذم وقدح من لا ينتمي إليهم، أفيدونا فقد انتشر ذلك بين الناس، وماذا يفعل من رأى ذلك من بعض الشباب، هل ينكر عليهم؟ وجزاكم الله خيرًا.
ينبغي لنا أن نسعى في جمع الكلمة، وأننا أمة واحدة، ومن عنده خطأ نُصْلِحُ خطأه، ونقبل الحق ممن جاء به، ونرد الباطل ممن جاء به، أما توزيع الناس، وتفريق صفوفهم، وإحداث الفرقة بينهم، وتوزيعهم على جماعات مبنية على أفكار وآراء، هذا كله من الخطأ {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} [سورة الأنعام: الآية 159] وقال: {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ المُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُم وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [سورة الروم: الآيتان 31- 32].
فتقسيم الناس إلى جماعات وأحزاب، هذا حزب كذا، وهذا حزب كذا، هذا كله وسيلة لتفريق صف الأمة، والله يقول لنا: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} [سورة المؤمنون: الآية 52].
سماحة الشيخ، يقول السائل: ما رأيكم بمن يطعن بوالاة الأمر في مجالسه الخاصة، ويذكر مثالبهم، ويوغر صدور العامة على ولاة أمرهم.
هذا إنسان إما أن يكون جاهل مغفل، وإلا في قلبه مرض، هذا هو أسلوب الذي في قلبه حقد على الإسلام وأهله، إذا كان يرى بعض الأخطاء القنوات الرسمية موجودة، يتصل، يكتب، يبلغ ولن يُرَدَّ، أما أن يشتغل بالثلب والعيب، ويحمل الناس على إذهاب حسناتهم بالقيل والقال، هذه مجالس حقيرة، لا يجوز للمسلم أن يبقى فيها، بل ينكر على هذا ويقول له: اتق الله، ادع إلى الاصلاح والخير، ولا تجعل همك الانتقاص والذم، اسع في الإصلاح خير من هذه الأمور.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
***********************************************************************************
( 1) أخرجه مسلم (1/74، رقم 55).
( 2) أخرجه أحمد (2/296، رقم 7931)، ومسلم (3/1476، رقم 1848).
( 3) أخرجه أحمد (2/142، رقم 6278)، والبخاري (6/2612، رقم 6725)، ومسلم (3/1469، رقم 1839).
( 4) أخرجه البخاري (6/2612، رقم 6723).
( 5) أخرجه مسلم (3/1476، رقم 1847).
( 6) أخرجه مسلم (1/74، رقم 55).
( 7) أخرجه مسلم (3/1340، رقم 1715).
( 8) أي على صفة موتهم من حيث هم فوضى لا إمام لهم. شرح النووي على مسلم 12/238.
( 9) أخرجه مسلم (3/1478، رقم 1851).
( 10) أخرجه مسلم (3/1472، رقم 1844).
( 11) أخرجه البخاري (3/1025، رقم 2631)، ومسلم (3/1488، رقم 1864).
( 12) أخرجه الترمذي (4/668، رقم 2518).
( 13) أخرجه مسلم (4/2094، رقم 2732).
( 14) أخرجه أبو داود (4/261، رقم 4843).
( 15) أخرجه الترمذي (4/502، رقم 2224).
( 16) أخرجه مسلم (3/1482، رقم 1855).
( 17) أخرجه أحمد (6/450 رقم 27583) والترمذي (4/327، رقم 1931).
( 18) أخرجه أحمد (1/310، رقم 2826)، والبخاري (6/2588، رقم 6646)، ومسلم (3/1477، رقم 1849).
( 19) أخرجه البخاري (5/2285، رقم 5823)، ومسلم (3/1359، رقم 1735).
( 20) أخرجه البخاري (4/169، رقم 3455)، ومسلم (3/1471، رقم 1842).
( 21) أخرجه مسلم (4/2001، رقم 2589).
( 22) أخرجه البخاري (3/1318، رقم 3408)، ومسلم (3/1472، رقم 1843).
( 23) أخرجه مسلم (3/1480، رقم 1854).
( 24) أخرجه البخاري (3/1080، رقم 2797)، ومسلم (3/1466، رقم 1835).
( 25) أخرجه البخاري (4/1598، رقم 4141)، ومسلم (1/82، رقم 66).
( 26) أخرجه أحمد (2/277، رقم 7713)، ومسلم (4/1986، رقم 2564).
( 27) أخرجه أحمد (2/334، رقم 8395)، ومسلم (4/1997، رقم 2581).
( 28) أخرجه البخاري (3/1090، رقم 2827)، ومسلم (2/699، رقم 1009).
( 29) أخرجه أحمد (2/252، رقم 7421)، ومسلم (4/2074، رقم 2699).
( 30) أخرجه أحمد (2/252، رقم 7421)، ومسلم (4/2074، رقم 2699).
( 31) أخرجه البخاري (1/12، رقم 9)، ومسلم (1/63، رقم 35).
( 32) أخرجه مسلم (4/2021، رقم 1914).
( 33) أخرجه البخاري (2/862، رقم 2310)، ومسلم (4/1996، رقم 2580).
( 34) أخرجه مسلم (1/390، رقم 553).
( 35) أخرجه البخاري (8/11، رقم 6021) من حديث جابر بن عبد الله.
( 36) أخرجه أحمد (5/388، رقم 23349)، والترمذي (4/468، رقم 2169) وقال: حسن.
( 37) أخرجه أحمد (4/270، رقم 18404)، ومسلم (4/1999، رقم 2586).
( 38) أخرجه البخاري (2/863، رقم 2314)، ومسلم (4/1999، رقم 2585) من حديث أبي موسى الأشعري.
( 39) أخرجه البخاري (5/2239، رقم 5667)، ومسلم (4/1809، رقم 2319).
( 40) أخرجه أبو داود (4/286، رقم 4943)، والترمذي (4/322، رقم 1920).
( 41) أخرجه البخاري (1/14، رقم 13)، ومسلم (1/67، رقم 45).
( 42) أخرجه البخاري (1/12، رقم 16)، ومسلم (1/66، رقم 43).
( 43) أخرجه البخاري (1/234، رقم 629)، ومسلم (2/715، رقم 1031).
( 44) أخرجه أحمد (1/164، رقم 1412)، والترمذي (4/664، رقم 2510).
( 45) أخرجه أحمد (6/90، رقم 24639)، وأبو داود (4/252، رقم 4798).
( 46) أخرجه أحمد (5/173، رقم 21559)، ومسلم (4/2026، رقم 2626).
( 47) أخرجه البخاري (3/1090، رقم 2827)، ومسلم (2/699، رقم 1009).
( 48) أخرجه مسلم (8/158، رقم 7309).
( 49) هو أن يتكبَّر عن الحق فلا يقبلُه. النهاية: بطر.
( 50) الغَمْط: الاسْتِهانة والاسْتحْقار. النهاية: غمط.
( 51) أخرجه مسلم (1/93، رقم 91).
( 52) أخرجه مسلم (4/1986، رقم 2564).
( 53) أخرجه مسلم (4/2287، رقم 2983).
( 54) أخرجه ابن ماجه (2/1213، رقم 3678).
( 55) أخرجه البخاري (3/1061، رقم 2739).
( 56) أخرجه البخاري (5/2047، رقم 5038)، ومسلم (4/2286، رقم 2982).
( 57) أخرجه أحمد (3/313، رقم 14406)، ومسلم (4/2166، رقم 2812).
( 58) أخرجه البخاري (1/27، رقم 48)، ومسلم (1/81، رقم 64).
( 59) أخرجه مسلم (3/1476، رقم 1848).
( 60) أخرجه مسلم (3/1476، رقم 1848).
( 61) أخرجه البخاري (5/2240، رقم 5673)، ومسلم (1/69، رقم 48).
( 62) أي لا يُعْطي كُلُّ واحد منكم أخَاه دُبُرَه وقفَاه، فيُعْرض عنه ويهْجُره. النهاية: دبر.
( 63) أخرجه البخاري (5/1976، رقم 4849)، ومسلم (4/1985، رقم 2563).
( 64) أخرجه البخاري (5/1976، رقم 4849)، ومسلم (4/1985، رقم 2563).
( 65) أخرجه أحمد (1/175، رقم 1516)، ومسلم (4/2216، رقم 2890).
( 66) أخرجه مسلم (3/1480، رقم 1852).
( 67) أخرجه الترمذي (4/208، بعد رقم 1705).
( 68) أخرجه البخاري (2/848، رقم 2278)، ومسلم (3/1459، رقم 1829).
( 69) أخرجه أحمد (2/445، رقم 9741)، والترمذي (5/578، رقم 3598).
( 70) أخرجه مسلم (1/74، رقم 55).
( 71) رواه البخاري (1/14، رقم 13)، ومسلم (1/67، رقم 45).
( 72) أخرجه أحمد (2/277، رقم 7713)، ومسلم (4/1986، رقم 2564).
( 73) أخرجه مسلم (4/1986، رقم 2564).
—————————————————–
فضيلة الشيخ الدكتور:سعد بن ناصر الشثري
--