قصص وحيا ة الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين

زيـد بن ثابت رضي الله عنه
زيـد بن ثابت جامع القرآن لقد علم المحفوظون من أصحاب محمد أن زيد بن ثابت كان من الراسخين في العلم ابن عباس زيد بن ثابت بن الضحّاك الأنصاري من المدينة، يوم قدم الرسول -صلى الله عليه وسلم- للمدينـة كان يتيمـاً (والده توفي يوم بُعاث) و سنه لا يتجاوز إحدى عشرة سنة، وأسلـم مع أهلـه وباركه الرسول الكريم بالدعاء.
الجهاد صحبه أباؤه معهم الى غزوة بدر، لكن الرسول -صلى الله عليه وسلم- رده لصغر سنه وجسمه، وفي غزوة أحد ذهب مع جماعة من أترابه الى الرسول -صلى الله عليه وسلم-يرجون أن يضمهم للمجاهدين وأهلهم كانوا يرجون أكثر منهم، ونظر إليهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- شاكرا وكأنه يريد الإعتذار، ولكن (رافع بن خديج) وهو أحدهم تقدم الى الرسول الكريم وهو يحمل حربة ويستعرض بها قائلا: { إني كما ترى، أجيد الرمي فأذن لي }.
فأذن الرسول -صلى الله عليه وسلم- له، وتقدم (سمرة بن جندب) وقال بعض أهله للرسول: { إن سمرة يصرع رافعا }.
فحياه الرسول وأذن له.
 وبقي ستة من الأشبال منهم زيد بن ثابت وعبد الله بن عمر، وبذلوا جهدهم بالرجاء والدمع واستعراض العضلات، لكن أعمارهم صغيرة، وأجسامهم غضة، فوعدهم الرسول بالغزوة المقبلة، وهكذا بدأ زيد مع إخوانه دوره كمقاتل في سبيل الله بدءا من غزوة الخندق، سنة خمس من الهجرة، وكانت مع زيد -رضي الله عنه- راية بني النجار يوم تبوك، وكانت أولاً مع عُمارة بن حزم، فأخذها النبي -صلى الله عليه وسلم- منه فدفعها لزيد بن ثابت فقال عُمارة: { يا رسول الله ! بلغكَ عنّي شيءٌ ؟}.
قال الرسول: { لا، ولكن القرآن مقدَّم }.
 العلم لقد كان -رضي الله عنه- مثقف متنوع المزايا، يتابع القرآن حفظا، ويكتب الوحي لرسوله، ويتفوق في العلم والحكمة، وحين بدأ الرسول -صلى الله عليه وسلم- في إبلاغ دعوته للعالم الخارجي، وإرسال كتبه لملوك الأرض وقياصرتها، أمر زيدا أن يتعلم بعض لغاتهم فتعلمها في وقت وجيز.
يقول زيـد: { أُتيَ بيَ النبـي -صلى اللـه عليه وسلم- مَقْدَمه المدينة، فقيل: هذا من بني النجار، وقد قرأ سبع عشرة سورة }.
فقرأت عليه فأعجبه ذلك، فقال: { تعلّمْ كتاب يهـود، فإنّي ما آمنهم على كتابي ففعلتُ، فما مضى لي نصف شهـر حتى حَذِقْتُـهُ، فكنت أكتب له إليهم، وإذا كتبوا إليه قرأتُ له }.
 حفظه للقرآن منذ بدأ الدعوة وخلال إحدى وعشرين سنة تقريبا كان الوحي يتنزل، والرسول -صلى الله عليه وسلم- يتلو، وكان هناك ثلة مباركة تحفظ ما تستطيع، والبعض الآخر ممن يجيدون الكتابة، يحتفظون بالآيات مسطورة، وكان منهم علي بن أبي طالب، وأبي بن كعب، وعبدالله بن مسعود، وعبدالله بن عباس، وزيد بن ثابت رضي الله عنهم أجمعين.
وبعد أن تم النزول كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يقرؤه على المسلمين مرتبا سوره وآياته.
 وقد قرأ زيد على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في العام الذي توفاه الله فيه مرتين، وإنما سميت هذه القراءة قراءة زيد بن ثابت لأنه كتبها لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقرأها عليه، وشَهِدَ العرضة الأخيرة، وكان يُقرىء الناس بها حتى مات.
 بداية جمع القرآن بعد وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- شغل المسلمون بحروب الردة، وفي معركة اليمامة كان عدد الشهداء من حفظة القرآن كبيرا، فما أن هدأت نار الفتنة حتى فزع عمر بن الخطاب الى الخليفة أبو بكر الصديق راغبا في أن يجمع القرآن قبل أن يدرك الموت والشهادة بقية القراء والحفاظ.
واستخار الخليفة ربه، وشاور صحبه ثم دعا زيد بن ثابت وقال له: { إنك شاب عاقل لانتهمك }.
وأمره أن يبدأ جمع القرآن مستعينا بذوي الخبرة.
 ونهض زيد -رضي الله عنه- بالمهمة وأبلى بلاء عظيما فيها، يقابل ويعارض ويتحرى حتى جمع القرآن مرتبا منسقا.
وقال زيد في عظم المسئولية: { والله لو كلفوني نقل جبل من مكانه، لكان أهون علي مما أمروني به من جمع القرآن }.
كما قال: { فكنتُ أتبع القرآن أجمعه من الرّقاع والأكتاف والعُسُب وصدور الرجال }.
وأنجز المهمة على أكمل وجه وجمع القرآن في أكثر من مصحف المرحلة الثانية في جمع القرآن في خلافة عثمان بن عفان كان الإسلام يستقبل كل يوم أناس جدد عليه، مما أصبح جليا ما يمكن أن يفضي إليه تعدد المصاحف من خطر حين بدأت الألسنة تختلف على القرآن حتى بين الصحابة الأقدمين والأولين، فقرر عثمان والصحابة وعلى رأسهم حذيفة بن اليمان ضرورة توحيد المصحف، فقال عثمان: { مَنْ أكتب الناس ؟}.
قالوا: { كاتب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زيد بن ثابت }.
قال: { فأي الناس أعربُ ؟}.
قالوا: { سعيد بن العاص }.
وكان سعيد بن العاص أشبه لهجة برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال عثمان: { فليُملِ سعيد وليكتب زيدٌ }.
 واستنجدوا بزيـد بن ثابت، فجمع زيد أصحابه وأعوانه وجاءوا بالمصاحف من بيت حفصة بنت عمر -رضي الله عنها- وباشروا مهمتهم الجليلة، وكانوا دوما يجعلون كلمة زيد هي الحجة والفيصل رحمهم الله أجمعين.
 فضله تألقت شخصية زيد وتبوأ في المجتمع مكانا عاليا، وصار موضع احترام المسلمين وتوقيرهم.
فقد ذهب زيد ليركب، فأمسك ابن عباس بالركاب، فقال له زيد: { تنح يا بن عم رسول الله }.
فأجابه ابن عباس: { لا، فهكذا نصنع بعلمائنا }.
كما قال (ثابت بن عبيد) عن زيد بن ثابت: { ما رأيت رجلا أفكه في بيته، ولا أوقر في مجلسه من زيد }.
 وكان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يستخلفه إذا حجّ على المدينة، وزيد -رضي الله عنه- هو الذي تولى قسمة الغنائم يوم اليرموك، وهو أحد أصحاب الفَتْوى الستة: عمر وعلي وابن مسعود وأبيّ وأبو موسى وزيد بن ثابت، فما كان عمر ولا عثمان يقدّمان على زيد أحداً في القضاء والفتوى والفرائض والقراءة، وقد استعمله عمر على القضاء وفرض له رزقاً.
 قال ابن سيرين: { غلب زيد بن ثابت الناس بخصلتين، بالقرآن والفرائض }.
 وفاته توفي -رضي الله عنه- سنة (45 هـ) في عهد معاوية.


   

عبد الله بن مسعود رضي الله عنه

عبد الله بن مسعود هو من أصحاب النّبي صلى الله عليه وسلم، فقيه، وهو أول من هاجر حيث هاجر الهجرتين وصلى في القبلتين، تولى حُكم بيت المال، وقضاء الكوفة في عهد عمربن الخطاب وعهد عثمان بن عفان، و أول من تلفّظ بالقرآن بعد رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، اجتمع يوماً أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا‏:‏ والله ما سمعت قريش هذا القرآن يجهر لها به قط، فمن رجلٌ يسمعهم؟ فقال عبد الله بن مسعود‏:‏ أنا،‏ فقالوا‏:‏ إنّا نخشاهم عليك، إنما نريد رجلاً له عشيرة تمنعه من القوم إن أرادوه‏!‏ فقال‏:‏ دعوني، فإن ّالله سيمنعني‏،‏ فغدا عبد الله حتى أتى المقام في الضحى وقريش في أنديتها، حتى قام عند المقام، فقال رافعاً صوته‏:‏ ‏"‏بسم الله الرحمن الرحيم الرحمن علم القرآن‏"‏، فإستقبلها فقرأ بها، فتأملوا فجعلوا يقولون‏:‏ هذا الذي خشينا عليك‏!‏ فقال‏:‏ ما كان أعداء الله قط أهون عليّ منهم الآن، ولئن شئتم غاديتهم بمثلها غداً؟ قالوا‏:‏ حسبك، قد أسمعتهم ما يكرهون‏.‏ إسمه: عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب بن شمس بن مخزوم بن صاهلة بن كاهل بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، أبو عبد الرحمن الهذلي. إتصّف بأنه كان قصير القامة ، نحيف البدن، وكان عند صعوده للنخل ليحضر للرسول التّمر تتعرى قدمه، فقام الصحابة بالضحك عليه بسبب نحافته، فقال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم :(لرجلُ عبد الله أثقل في الميزان يوم القيامة من جبل أحد)، وأجمل صفة إتّصف بها هي صوته الجميل الذي أنعم الله عليه به فكان عند قدوم الليل يُسمع صوت كدوي النحل ،فيعرفُ أن عبد الله بن عباس يقرأ القرآن . وكان ممن ميّزه الرسول بانه أحد الذين إصطفاهم من السبعة الرفقاء، في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم( إنه لم يكن قبلي نبي إلا قد أُعطِي سبعة رفقاء نجباء وزراء، وإني أُعطِيتُ أربعة عشر: حمزة، وجعفر، وعليُّ، وحسن، وحسين، أبو بكر الصديق، عمر بن الخطاب، أبو ذرالغفاري، حذيفة بن اليمان، سلمان الفارسي، عبد الله بن مسعود، عمّار، بلال). وعند إسلامه كان يخدم النبي بيلبسه نعليه، ويفعل له كل ما يحتاج، وهو الذي قام بقتل أبو جهل، وكان مرافق للرسول في كل غزواته وحتى بعد رحيل الرسول شهد معركة اليرموك، وقام عمر بن الخطاب بتسييره للكوفة وكان معلماً ووزيراً، وكانت له منزلته في الإسلام بحيث قيل عن صوته:(من أحب أن يسمع القرآن غضا كما أنزل فليسمعه من إبن أم عبد)، و قال فيه علي: (لقد قرأ القرآن فأحلّ حلاله وحرم حرامه فقيه في الدين عالم بالسنة). ومن أجمل ما قال عبد الله بن مسعود: أعظم الخطايا الكذب، وسب المؤمن فسوق، وقتاله كفر، وحرمة ماله كحرمة دمه، ومن يعف يعف الله عنه، ومن يكظم الغيظ يأجره الله ومن يغفر، يغفر الله له، ومن يصبر على الرزيّة يعقبه الله خيرا منها إنَّ الله بقسطه وعدله جعلَ الرَّوحَ والفرح في اليقين والرضا ، وجعل الهمّ والحزن في الشكِّ والسخط. ما دمت تذكر الله فأنت في صلاة، وإن كنتَ في السوق. إنَّ الله بقسطه وعدله جعلَ الرَّوحَ والفرح في اليقين والرضا ، وجعل الهم والحزن في الشكِّ والسخط. توفي رحمة الله عليه سنة 32 هجري،دُفن بالبقيع، وتمََّ دفنه في الليل، وكان عمره عند وفاته بضعاً وستين عام.

ليست هناك تعليقات:

مشاركة مميزة

الزبيب و فوائده

يتكرر ذكر "حفنة من الزبيب" في التراث والطب الشعبي، ولكن حديثاً بدأت الدراسات التغذوية الإكلينيكية تتحدث أيضاً عن حفنة الزبيب، فما ...